الكتاب من ترجمة: ناصر الحجيلان
يشكل كتاب «العالم الإسلامي في العصور الوسطى» لجيمس ليندزي أستاذ التاريخ ودراسات الشرق الأوسط المشارك في جامعة كولورادو، واحدا من الكتب المهمة التي صدرت عقب هجمات الحادي من سبتمبر على أميركا، كونه يكشف أبعاد وملامح جانب من رؤية وقراءة الدارسين الأميركان للإسلام تاريخا وحضارة، خاصة أنه يضع الكثير من الأمور في مواضع المقارنة مع الديانتين المسيحية واليهودية بل والقيم الأميركية الحديثة الثقافية والاجتماعية.
الكتاب يسعى إلى رسم صورة بانورامية عن الإسلام شعائره وعباداته والمأكل والمشرب والملبس، والتاريخ السياسي والعسكري في القرون الوسطى من وجهة نظر من عاشوا ذلك الوقت، وبرؤية ومنهج أكاديميين، ويتحاشى الإدلاء برأي صريح في مجمل الأمور لكن المقارنة والتساؤلات تكشف الانحياز لأفكار بعينها دون تدقيق، خاصة أن مصادر المؤلف ثانوية منها ترجمة بعض المؤلفات العربية بالإنكليزية، فحسب المترجم د.ناصر الحجيلان «دفع التركيز على النص الإنكليزي إلى استنباطات منفصلة عن النص الأصلي وربما جلبت فهما مختلفا».
يتناول الكتاب مجموعة واسعة من المسائل التي ترتبط بالحياة اليومية وتطوراتها في كثير من المجتمعات والأقاليم التي شكلت العالم الإسلامي منذ بداياته في الجزيرة العربية في القرن السابع عشر الميلادي حتى نهاية القرن الثالث عشر، وقد أوضح المؤلف أن اختياره لعام 1300م نقطة فاصلة في دراسته «لأن العالم الإسلامي تحول إلى موقع مختلف في مجالات كثيرة عشية غزو بغداد عام 1258م، وفي نهاية الحملات الصليبية في الشرق الأدنى في تسعينيات القرن الثالث عشر، وبداية نشوء الحكم العثماني في الأناضول في أوروبا الشرقية في بداية القرن الرابع عشر، وتراجع خطر المغول في عشرينيات القرن الرابع عشر».
وبسبب امتداد العالم الإسلامي في العصور الوسطى خلال القرون السبعة التي يغطيها الكتاب، إلى أسبانيا وغرب أفريقية في الغرب، وإلى وسط آسيا وشبه القارة الهندية في الشرق، كان على المؤلف أن يختار أي الأقاليم والشؤون سيسلط اهتمامه، ولأن الإسلام نشأ في شبه الجزيرة العربية، وأسس أولى العواصم العالمية الواسعة في دمشق وبغداد والقاهرة، ركز المؤلف اهتمامه على البلاد الإسلامية المركزية بين نهري النيل وأوكسوس.
يقدم جيمس ليندزي في بداية كتابه تسلسلا زمنيا للأحداث وفقا للتقويم الميلادي بدءا من 570 حيث ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حتى 1453 عام الفتح العثماني للقسطنطينية، يلي ذلك فصل معنون بـ «موضوعات عامة في التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى» يحمل رؤية عامة للموضوعات المهمة في التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى، والهدف منه تقديم خلفية للفصول الخمسة الباقية، وهو يتناول بعض المسائل التي تواجه المؤرخين عندما يحاولون البحث في بداية التاريخ الإسلامي، وحياة محمد، والفتوحات الإسلامية الأولى، ومسألة العرق في العصور الوسطى، والجغرافيا والبيئة، والسمة السياسية للمجتمعات الإسلامية وتجزئة الخلافة منذ منتصف القرن التاسع، وتطور القانون الإسلامي «الشريعة» والصوفية الإسلامية «التصوف».
ويرى ليندزي أن الشريعة الإسلامية تمنح بكل شؤونها صورة للحياة وللممارسات اليومية في العالم الإسلامي في العصور الوسطى لأنها تتكون من مجموعة الواجبات والأوامر المفروضة على المؤمنين جميعا، وهي التي تغطي كل جانب يمكن تخيله من جوانب حياتهم اليومية، وهي الطريق الصحيحة التي آمن المسلمون في العصور الوسطى «والمسلمون في العصر الحديث» بأنهم يجب أن يسيروا عليها تبعا لمشيئة الله.
ويخص ليندزي فصلا عن «جزيرة العرب» حيث نشأ الإسلام ليتناول عالم الأصول الإسلامية، ويركز على الجغرافيا والبيئة والتجارة في ذلك الإقليم، وكذلك الهرم المبني على نظام اجتماعي قائم على وشائج القرابة المشتركة بين البدو وقاطني الواحات معا، ويعد من المسلمات في القرآن، وعلى الرغم من أن جزيرة العرب هي مهد الإسلام، إلا أنها بدأت تصبح هامشية بالنسبة إلى المراكز السياسية والفكرية والاقتصادية في الإمبراطورية الإسلامية والحضارة الإسلامية التي بدأت بالنشوء.
ويتطرق المؤلف إلى التقنية العسكرية والمؤسسات في العالم الإسلامي في العصور الوسطى بمناقشة أساسية لمفهوم الجهاد الإسلامي في الإسلام، والذي يترجم عادة بصورة لا تعطي المعنى الحقيقي لـ «الحرب المقدسة»، ثم يعالج تطورات معينة وتغيرات محددة طرأت على التقنية العسكرية ومؤسساتها في العالم الإسلامي في العصور الوسطى، وذلك كله في نطاق القرون الأولى للفتوحات وتوطيد الإمبراطورية الإسلامية، وبداية العبودية العسكرية ـ مؤسسة المماليك ـ في القرن التاسع وتطوراتها الآتية، والحملات الصليبية في القرن الأدنى «1095 ـ 1291م».
ويهتم فصل «المدن» بالحياة اليومية في ثلاثة مراكز عالمية، هي: دمشق وبغداد والقاهرة، لأن دمشق من أقدم المدن المأهولة في العالم، وحيث تأسست عاصمة الخلافة الأموية من عام 661م حتى عام 750م، كما تأسست بغداد في عام 762م، والقاهرة في عام 969 بوصفهما مدينتين للقصور والخلافتين الآتيتين: العباسية «750م – 1258م» والفاطمية «909 – 1171م»، وتمثل هذه العواصم الثلاث موضوعات خاصة بالسلالات السياسية والدينية لحاكميها وأقاليمها.
ويركز المؤلف على ما يتعلق بالحياة المدنية في تلك المدن، أي حول ما يشتريه سكان هذه المدن أو يبيعونه في أسواقهم، وأي البضائع يصنعون وأي المحصولات ينتجون، وأي نقود يستخدمون وكيف سافروا ونقلوا بضائعهم من مدينة إلى أخرى، وكيف تفاعل المسلمون والمسيحيون واليهود في هذه المدن، ونوعية البيوت التي سكنوا فيها وما أكلوه وشربوه وأي أساليب في الري استخدموا في مناطقهم الزراعية.
ويضع جيمس ليندزي في نهاية الكتاب فصلا كاملا تحت عنوان «اقتراحات لقراءات أخرى» ليقدم ببليوغرافيا تزود القارئ بعدد كبير من المراجع والصحف والمقالات والدراسات المكتوبة باللغة الإنكليزية والتي تتناول مظاهر الحياة اليومية في العالم الإسلامي في العصور الوسطى.
http://www.alarab.co.uk/?p=21534
المنتدى
التسجيل
الأسئلة المتكررة
بحث
