الحمد لله , والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله , وعلى آله .. وسلم تسليما كثيرا
نعرض لكم الحكمة التاسعة عشر من حكم سيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( كيف يتصور أن يحجبه شئ , وهو الذى أظهر كل شئ )
الظاهر هو الباطن , ما بطن فى عالم الغيب هو الذى ظهر فى عالم الشهادة . فالماء يجرى نافذا فى أس الأغصان , تجده ماء واحدا .. والزهر ألوان , يا عجبا كيف يعرف بالمعارف .. من به عرفت المعارف ؟؟ عجبت لمن يبغى عليك شهادة … وأنت الذى أشهدته كل شاهد .
ثم قال ( وهو الذى ظهر بكل شئ ) بباء الجر .. أى تجلى بكل شئ , فلا وجود لشئ مع وجوده , فكيف يحجبه شئ .
ثم قال (وهو الذى ظهر فى كل شئ ) أى بقدرته وحكمته , القدرة باطنة والحكمة ظاهرة , فالوجود كله بين قدرة وحكمة , وبين جمع وفرق . وقال بعضهم : ما رأيت شيئا إلا رأيت الله فيه .. بقدرته وحكمته , فلولا ظهور أنوار الصفات .. ما عرفت الذات , ولولا الحس .. ما قبضت المعنى , ولولا الكثيف .. ما عرفت اللطيف .
ثم قال ( وهو الظاهر لكل شئ ) بلام الجر .. أى المتجلى لكل شئ بأسرار ذاته .. وأنوار صفاته , ولما تجلى لكل شئ وعرفه فى الباطن كل شئ , وسبح بحمده كل شئ , فلم يحجبه شئ عن شئ .. قال الله تعالى ( وإن من شئ إلا يسبح بحمده ) .
ثم قال ( وهو الظاهر قبل وجود كل شئ ) فكل ما ظهر .. منه وإليه , فكان فى أزله ظتاهرا بنفسه , ثم تجلى لنفسه بنفسه . فهو الغنى بذاته عن أن يظهر بغيره أو يحتاج إلى من يعرفه غيره . فالكون كله مجموع , والغير عندنا ممنوع .
ثم قال ( وهو أظهر من كل شئ ؟!) إذ لا وجود للأشياء مع وجوده , ولا ظهور لها مع ظهوره . وعلى تقدير ظهورها .. فلا وجود لها من ذاتها .. فلولا ظهوره فى الأشياء .. ما وقع عليها إبصار .
وقال فى لطائف المنن : ومن أعجب العجب أن تكون الكائنات موصلة إلى الله , فليت شعرى هل لها وجود معه حتى توصل إليه ؟! أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هى المظهر له ؟!!! وإن كانت الكائنات موصلة له .. فليس ذلك لها من حيث ذاتها … لكن هو الذى ولاها رتبة التوصيل فوُصلت , فما وصُل إليه غير إلاهيته , ولكن الحكيم هو واضع الأسباب .. فظهور الحق أجلى من كل ما ظهر , إذ هو السبب فى ظهور كل ما ظهر , وما اختفى إلا من شدة ما ظهر .
ثم قال ( وهو الواحد الذى ليس معه شئ ) لتحقق وحدانيته أزلا وأبدا . " كان الله ولاشئ معه , وهو الآن على ماعليه كان " فالحق تعالى واحد فى ذاته , وفى صفاته , وفى أفعاله , فلا شئ قبله ولا شئ بعده ولا شئ معه .
ثم قال ( وهو أقرب إليك من كل شئ ) وقربه تعالى قرب علم وإحاطة , وشهود .. لا قرب مسافة .
قال سيدنا على كرم الله وجهه : الحق تعالى ليس من شئ , ولا فى شئ , ولا فوق شئ , ولا تحت شئ , إذ لو كان من شئ .. لكان مخلوقا , ولو كان فوق شئ .. لكان محمولا , ولو كان فى شئ .. لكان محصورا , ولو كان تحت شئ .. لكان مقهورا .
وقيل له : ياابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أين كان ربنا , أو هل له مكان ؟؟ فتغير وجهه وسكت ساعة ثم قال : قولكم أين الله .. سؤال عن مكان .. وكان الله ولا مكان , ثم خلق الزمان والمكان , وهو الآن كما كان دون مكان ولا زمان .
وقال أبو الحسن الشاذلى : قيل لى .. يا على .. بى قل , وعلى دل , فأنا الكل .
ثم قال ابن عطاء الله ( ولولاه لما ظهر وجود كل شئ ) فكل ماظهر فى عالم الشهادة فهو فائض من عالم الغيب , وكل ما برز فى عالم الملكوت .. فهو فائض من بحر الجبروت , فلا وجود للأشياء إلا منه , ولا قيام لها إلا به , ولا نسبة لها معه .. إذ هى عدم محض , وعلى توهم وجودها .. فهى حادثة فانية , ولا نسبة للعدم مع الوجود , ولا للحادث مع القديم .
وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله تسليما كثيرا .
|