[10- ولادة الرسول عليه السلام]:
ثُمَّ إِنَّ الحَقَّ لَمَّا كَانَ مُرَادُهُ مِنْ إِبْرَازِنَا لِعَالَمِ الكَوْنِيَاتِ هُوَ: إِبْرَازُ عَالَمِ مُقَتَضَيَاتِ الحِكَمَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُرَادُهُ عَالَمُ المَعْنَى؛ لأَوْدَعَ حَقَائِقَنَا بِكُهُوفِ الأَزَلِ وَالأَبَدِ إِلَى أَنْ تَنْسُجَ عَلَيْنَا عَنَاكِبُ الدَّهْرِ يَدَهَا؛ رَاجَتْ رِيَاحُ القُدْرَةِ الإِلَهِيَةِ فِي جُزْئِيَاتِ سَيِّدِنَا عَبِدِ اللَّهِ إِلَى أَنْ تَزَوَّجَ، هُنَالِكَ صَارَ النُّورُ المُحَمَّدِي فِي كُلِّ كُلِّهِ فَصَارُوا لَهُ كَالعَرْشِ مَمْحُوقِينَ فِي غَيْبِ رَحْمَانِيتِهِ، فَصَارَ هُوَ الحَامِلُ وَالمَحْمُولُ وَالمَحْمُولُ فِيهِ وَالمَحْمُولُ لَهُ، {إِنَّا عَرَضْنَا الاَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَالجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا}.[ الأحزاب: 82]، وَكَيْفَ لاَ؛ وَقَدْ أُنْزِلَتَ مَنْزِلَةَ الوُجُودِ الحَقِّي فِي قَوْلِهِ: }إِنَّ الذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}.[الفتح: 10]، "مَا وَسِعَنِي أَرْضِي وَلاَ سَمَائي، وَإِنَّمَا وَسِعَنِي قَلْبُ عَبْدِي المُومِن"؟. {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ}.[ الأحزاب: 72]. فَبِتِلْكَ الخِصِّيصَة العُظْمَى جُبِرَ كَسْرُ المُومِنَاتِ فِي قَوْلِهِ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ}.[النساء: 34]، وَمَا ظَفَرَتْ بِهَا حَوَّاءُ وَعَثَرَتْ عَلَيْهَا ءامِنَةُ، وَذَلِكَ عَدْلٌ إِلَهِي. وَأُنْشِدَ لِلاِسْتِرْوَاح.
[الكامل]:
أَرْخَتْ ثَلاَثَ دَوَائِبٍ مِنْ شَعْرِهَا
وَاسْتَقْبَلَتْ قَمَرَ السَّمَاءِ بِوَجْهِهَا
مِنْ لَيْلَةٍ؛ فَرَأَتْ لَيالِيَ أَرْبَعَا
فأَرَتْنِيَ القَمَرَيْنِ فِي وَقْتٍ مَعَا
وَالحَقَائِقُ الإِلَهِيَةُ لاَ تَتَبَدَّل.
[الوافر]:
رَأَتْ قَمَرَ السَّمَاءِ فَأَذْكَرَتْنِي
كِلاَنَا نَاظرٌ قَمراً وَلَكِنْ لَيَالِيَ
وَصْلِهَا بِالرَّقْمَتَيْنِ
رَأَيْتُ بِعيْنِهَا وَرَأَتْ بِعَيْنِي
وَلاَ زَالَ الدَّوْرُ يَنْتَهِي إِلَى أَنْ وَلَدَتْ سَيِّدَنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ
[11- في السلام على رسول الله ]:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا إِسْرَاءَ هَيَاكِلِ المُلاَقَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَرْشَ رَحْمَانِيَةِ المُنَاجَاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَيَا عَرُوسَةِ الحَضَرَاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سِدَرَةَ مُنْتَهَى وَصْلِ الرُّوحَانِياتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سُطُورَ طُرُوسِ الكَائِنَاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عِقْدَ جَوْهَرَةِ تَلاَقِ المَعْشُوقِيَاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مِحْرَابَ صَلاَةِ رُوحِ الهُويَاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَوْنَقَ مُحَيَا ذَاتِ الإِطْلاَقَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا كَعْبَةَ تَحْقِيقِ الكَمَالاَت، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَجْلَى صُورَةِ مَوَارِدِ التَّلَقِّيَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَعْشُوقَ الحَضَرَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَحْبُوبَ السُّلاَفَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا كَهْفَ مَنِيعِ الطَّامَّات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا سَمِيرَ أَشْوَاقِ أَرْبَاب اللَّهَفَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَنِيسَ مَنْ هَامَ مِنْ أَلَمِ الزَّفَرَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُبْدِعَ تَنْمِيقِ الاِخْتِرَاعَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَنِيسَ مُطْرِبِ مَنْ غَابَتْ عَنْهُ اللَّحَظَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ رُوحِ الرُّوحِ لِلرُّوحِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنَ الحَقِّ لِلْحَقِّ يَلُوح، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْكَ إِلَيْكَ لَدَيْك، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ بِكَ لَكَ عَلَيْكَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ فَلَكِ أَطْلَسِ الأَفْلاَكِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّم
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قُطْبِ سِرِّ سِرِّ الأَمْلاَك، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنَ الكُلِّيَاتِ وَالجُزْئِيَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنَ البَسَائِطِ وَالمُرَكَّبَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ
السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنَ الحَيَوَانَاتِ وَالعَجْمَاوَاتِ وَسَائِرِ البَرِّيَات، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ وَسَلَّمْ.
فَرُكِّبَتِ الرُّوحُ الكُلِّيَةُ، فِي هَيْكَلِ العُنْصُرِيَةِ، وَمِنْ يَوْمِ خَرَجَ، لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا حَرَجٌ، فَاصْطَحَبَتِ الخَمْرُ بِالأَوَانِ، وَبَقِيَ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَلَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا سِتْرٌ، مُذْ انْمَحَتْ نُقْطَةُ الأَسْرِ، {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَاَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}.[البقرة: 187]، فَوَقَعَ الاِصْطِحَابُ، وَامْتَزَجَتِ العُقَارُ بِالْحُبَابِ، وَذَاكَ بِتَزْوِيجِ الخَمَّار، بَعْدَ مَا أَزَاحَ بُرْقُعُ الخِمَارِ، فَأَنْشَدَ الكَاسْ، مُحَلاًّ بِالوَرْدِ وَالآسْ:
زُوِّجْتهَا وَالزَّمَانُ طِفْلٌ لاَ كَرْمَ فِيهِ وَلاَ غُرُوسُ
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا أَحْمَد. الذِي جَعَلْتَ اسْمَهُ مُتَّحِداً بِاسْمِكَ وَنَعْتِكَ. وَصُورَةَ هَيْكَلِهِ الجِسْمَانِي عَلَى صُورَةِ أُنْمُوذُجِ حَقِيقَةِ خَلَقَ اللَّهُ سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. وَفَجَّرْتَ عُنْصُرَ مَوْضُوعِ مَادَّةِ مَحْمُولِهِ مِنْ أَنِيَةِ أَنَا اللَّهُ. بَلْ حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ. وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
[12- شرح صدر النبي ]:
ثُمَّ إِنَّ طَلْعَةَ الحَقِّ لَمَّا خَرَجَ مِنْ بُطْنَانِ الأَزَلِ لِعَالَمِ الحِكْمَةِ؛ حَصَلَ لَهَا وَحْشَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانَتْ تَعْهَدُهُ مِنَ التَّجْرِيدِ وَالتَّفْرِيدِ، مَعَ مَا أَثْقَلَ ظَهْرَهَا مِنْ رِقِّ الحَدَثَانِ وَالحُدُوثِيَةِ، وَمُفَارَقَةِ الرِّبِّيةِ مُجَرَّدَةً إِلَى الرَّبِّيَةِ وَالمَرْبُوبِيَةِ.
وَلَمَّا وَقَعَ ذَلِكَ الدَّهَشُ؛ أُزِيلَ بِخِطَابِ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}.[الشرح: 1]، بِتَفَرُّدِنَا بِمَعْرِفَةِ كنْهِ إِحَاطَةِ مَرَاتِبِ مَكْنُونَاتِهِ، وَجَعَلْنَا لَهُ غَيْباً مِنْ غُيُوبِ غُمُوضِ سِرِّ سِرِّنَا بَلْ مِنْ نُقْطَةِ هُوِيَةِ هُوِيَاتِهِ.
أَوْ تَقُولُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، بِجَعْلِهِ مِرْآةٌ أُرَى فِي مِرْءاةِ نِقَابِه،ِ وَأَتَجَلَّى فِي لِثَامِ مُحَيَا حُسْنِ سَحَابِهِ؛ بِحَيْثُ لاَ أرَى حَقِيقَةً إِلاَّ فِي مِحْرَابِ مُصَلاَّكَ، وَلاَ يَسْتَنْشِقُنِي نَدِيمٌ إِلاَّ فِي مَطَالِعِ مُحَيَاكَ؛ فَأَنْتَ الكَأْسُ وَأَنَا الخَمْرُ، وَأَنْتَ المِرْآةُ وَأَنَا البَدْرُ، وَأَنْتَ المَجْهُولُ وَأَنَا المَعْلُومُ، وَأَنْتَ الهِلاَلُ وَأَنَا النَّجْمُ، وَأَنْتَ عَرْشُ التَّجَلِّي، وَفِيكَ التَّرَقِّي وَالتَّدَلِّي، وَلاَ مَرْمىً دُونَ مَرْمَاكَ، وَلاَ اطِّلاَعَ عَلَى بَعْضِ جُزْءِ بَاطِنِ مُحَيَاكَ؛ فَأَنْتَ المَعْرُوفُ وَالمَجْهُولُ، وَالمَوْصُولُ وَالوُصُولُ، لاَ تُدْرِكُ أَبْصَارُ الحَوَادِثِ حَقِيقَةَ كُنْهِكَ.
أَوْ تَقُولُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، بِرُؤْيَةِ جَمَالَ حُسْنِي، وَإِزَاحَةِ البَيْنِ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِي.
أَوْ تَقُولُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، بِجَعْلِكَ بَرْزَخاً بَيْنِي وَبَيْنِي، وَمَرْكَزاً لإِحَاطَةِ أَفْلاَكِ مَرَاتِبِ عَيْنِي.
أَوْ تَقُولُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، بِعُكُوفِكَ فِي حَضَرَاتِ الجَمْعِ وَرَفْعِ السُّتُورِ، دَائِماً عَلَى مَمَرِّ اللَّيَالِي وَالدُّهُورِ، لاَ يَشْغَلُكَ مَرْبُوبٌ عَنْ رَبٍّ، وَلاَ قِشْرٌ عَنْ لُبٍّ، قَائِمٌ عَلَى الشُّرْبِ وَالاِصْطِحَابِ، وَالمُنَادَمَاتِ وَالكِفَاحِ، فِي قُرْبِ القُرْبِ وَغَيْبِهِ؛ بَلْ مَطْوِيٌّ فِي غُمُوضِ الفَيْضِ الأَقْدَسِ وَجَيْبِهِ، أَمَعَ هَذَا - يَا مَحْبُوبُ - تَبْقَى لَكَ وَحْشَةٌ أَوْ تُتْلَى عَلَيْكَ - يَا مَعْشُوقُ – دَهْشَةٌ؟!!. وَكَأَنِّي بِكَ قَائْلٌ:
لاَ أَكْتَفِي بِوِصَالِهِ لَوْ دَانَ دَهْرُ الدَّهْرِ زَائِرُ
أَوْ تَقُولُ: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}، بِجَعْلِكَ عَرُوسَ المَمْلَكَةِ الإِنْسَانِيَةِ وَإِنْسَانَ عَيْنِ الوُجُودِ، وَإِمَامَ الحَضْرَةِ وَمُنْتَهَى سِدَرَةِ الشُّهُودِ، هَيُولَى الهَبَاءِ وَالأَرْوَاحِ المهَيَمَةِ، وَعُنْصُرَ المُجَرَّدَاتِ وَيَعْسُوبَ المَرَاتِبِ المُسَوَّمَةِ، مَوْضُوعَ كُرَةِ العَالَمِ، وَمَحْمُولَ أَسَاسِ مَبَانِي النِّظَامِ، أُسِّ المَرَاتِبِ وَمَعْنَاهَا، وَمَبْنَى الحَضَرَاتِ وَمَغْنَاهَا؛ بَلْ لَوْلاَكَ مَا عُرِفْتُ، وَلَبَقِيتُ مَجْهُولاً كَمَا عُرِفْتَ أَنْتَ، فَأَنْتَ المَعْرُوفُ وَالمُعَرَّفُ، وَالفَصُّ المَجْهُولُ المُحَرَّفُ، فَمَا بَقِيَ لِلدَّهْشَةِ - يَا حَبِيبُ يَا مُقَرَّبُ - أَثَرٌ، وَلاَ لِلْوَحْشَةِ مَقَرٌّ، وَكَأَنِّي بِكَ لَمَّا اسْتَشْعَرْتَ لِثَامَكَ بِالعَبْدِيَةِ، وَلِحَافَكَ بِإِزَارِ العُنْصُرِيَةِ، وَحَصَلَ الاِنْغِمَاسُ فِي مَعْنَى الرِّبِّيَةِ، اسْتَوْحَشْتَ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِكَوْنِكَ مَخِيطاً بِخَطِّ الإِنْسِيَةِ.
[ الوافر ]:
أَرَى آثَارَهُمْ فَأَذُوبُ شوْقاً
وَأَسْأَلُ مَنْ قَضى بِفِرَاقِ حِبِّي
وَصَلَتْ صَحِيفَتُكُمْ فَهَزَّتْ مِعْطَفِي
وَكَأَنَّهَا لَيلُ الأَمَانِي لِخَائِفٍ
وَرُبَّ حَمَامَةٍ فِي الدَّوْحِ بَاتَتْ
قَاسِمُهَا الهَوَى مَهمَا اجْتَمَعْنَا
إِذَا جَنَّ لَيْلِي هَامَ قَلْبِي بِذِكْرِكُمْ
وَفَوْقِي سَحَابٌ يُمْطِرُ الهَمَّ وَالأَسَى
سَلُوا أُمَّ عَمْرٍو كَيْفَ بَاتَ أَسِيرُهَا
فَلاَ هُوَ مَقْتُولٌ فَفِي القَتْلِ رَاحَةٌ
وَقَائِلَة:مَا بَالُ دَمْعِكَ أَسْوَدَا
فَقُلْتُ لَهَا إِنَّ الدُّمُوعَ تَجَفَّفَتْ
وَأَسْكُبُ مِنْ تَذَكُّرِهِمْ دُمُوعِ
يَمُنُّ عَلَيَ مِنهُمْ بِالرُّجُوعِ
فَكَأَنَّمَا أَهْدَتْ كُؤُوسَ القَرْقَفِ
أَوْ وَصْلُ مَحْبُوبٍ لِصَبٍّ مُسْعِفِ
تُجيدُ النَّوْحَ فَنّاً بَعْدَ فَنِّ
فَمِنْهَا النَّوْحُ وَالعَبَرَاتُ مِنِّي
أَنُوحُ كَمَا نَاحَ الحَمَامُ المُطَوَّقُ
وَتَحْتِي بِحَارٌ بِالجَوَى تَتَدَفَّقُ
تَفُكُّ الأَسارَى دُونَهُ وَهْوَ مُوَثَّقُ
وَلاَ هُوَ مَمْنونٌ عَلَيْهِ فَيُعتقُ
وَجِسْمِكَ مُصْفَرّاً وَأَنْتَ نَحِيلُ
وَهذَا سَوَادُ المُقْلَتَيْنِ يَسِيلُ
وَأَتَمَثَّلُ وَأَقُولُ.[الكامل]:
يَا مَنْ نَفتْ عَنِّي لَذِيذَ رُقَادِي
فَبِأَيِّ ذَنبٍ أَمْ بِأَيَّةِ حيلَةٍ
وَصَدَدْتِ عَنِّي حِينَ مُذْ مَلَكَ الهَوَى
وَمِنَ المُنَى لَوْ دَامَ لِي فِيكِ الضَّنَى
وَأَقُولُ: ما شِئْتِ اصْنَعِي يَا مُنْيَتِي
إِلاَّ مَدِيحَ المُصْطَفَى هُوَ عُمْدَتِي
وَلَوْ أَنَّ كُلَّ العَالَمينَ تَأَلَّفُوا
وَرُبَّ سُكوتٍ كَانَ فِيهِ بَلاَغَةٌ
مَالِي وَمالَكِ قَدْ أَطَلْتِ سُهَادِي
أَبْعَدتِّنِي وَلقَدْ سَكَنْتِ فُؤَادِي
رُوحِي وَقَلبِي وَالحَشَا وَقِيَادِي
يَا حَبَّذَا لاَ أَرَاكِ منْ عُوَّادِي
مَا لِي سِوَاكِ وَلَوْ حُرِمْتُ مُرَادِي
وَبِهِ سَأَلْقَى اللَّهَ يَوْمَ معَادِي
عَلَى مَدْحِهِ لَمْ يَبْلُغُوا عُشْرَ وَاجِبِ
وَرُبَّ كَلاَمٍ فِيهِ عَتْبٌ لِعاتِبِ
وَلاَ زَالَ يَتَرَقَّى فِي مَيَادِينِ العُبُودِيَةِ إِلَى أَنِ اسْتَكْمَلَ مَرَاتِبَهَا، ثُمَّ انْتَقَلَ لِبِسَاطِ الإِطْلاَقِ: {وَالتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاق. إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ المَسَاق}.[القيامة: 29، 30].
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا أَحْمَد. الذِي جَعَلْتَ اسْمَهُ مُتَّحِداً بِاسْمِكَ وَنَعْتِكَ. وَصُورَةَ هَيْكَلِهِ الجِسْمَانِي عَلَى صُورَةِ أُنْمُوذُجِ حَقِيقَةِ خَلَقَ اللَّهُ سَيِّدَنَا آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ. وَفَجَّرْتَ عُنْصُرَ مَوْضُوعِ مَادَّةِ مَحْمُولِهِ مِنْ أَنِيَةِ أَنَا اللَّهُ. بَلْ حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ. وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ.
[13- غلبة حقيقة الرسول الباطنية على حقيقته الظاهرية]:
ثُمَّ إِنَّ هَيْكَلهُ الجَامِعَ المُحَمَّدِي؛ هَبْ أَنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ جَوْهَرٍ لَطِيفٍ وَكَثِيفٍ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَوْنُ المَاءِ لَوْنُ إِنَائِهِ؛ لَمْ يَكُنْ حُكْمٌ لِجَوْهَرِهِ العُنْصُرِي عَلَى هُوِيَةِ مَاهِيَتِهِ الإِطْلاَقِيَةِ الأَمْرِيَةِ، فَكَانَ الحُكْمُ لِلْعُنْصُرِ الفَيَاضِ الأَوَّلِ. وَلأَجْلِ هَذَا؛ كَانَ لاَ يُرَى لَهُ ظِلٌّ، وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَانَ يَسْتَغْنِي عَنِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِتَخَلُّقِهِ بِالصَّمْدَانِيَةِ، وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِغَلَبَةِ الجَوْهَرِ الإِطَلاَقِي عَلَى الجوْهَرِ التَّقْيِيدِي: "إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ".
وَهَاهُنَا قُلْتُ.[الكامل]:
مَعْنًى بَدَا بِتَمَاثُلِ العَبْدِ المُتَلَثِّمٌ بِعَنَاصرِ
التَّنْزِيهِ في مُضَافِ لِمَائِهِ المقروِّ بِالقُرآن
تشبِيه أَيْنِ جواهر البُستَان
مُتَمَنْطِقٌ بِرَقَائِقِ الإِطلاَقِ مُل
سِرٌّ بَدَا فِي اللَّوْحِ أُعْجمَ حَرْفُهُ
إِن رُمْتَ نَاسُوتاً وَجَدْتَ مَهَامِهَ
تُنْبِيكَ عَنْ أَحَدِيَةِ التَّنْزِيهِ فِي
فَثَنَتْ وَسَلَّتْ مِنْ غِمَادِ لِحَاظِهَا
هِيَ غَادَةٌ تَخْتَالُ فِي دَيْجُورِهَا
يَا مَنْ غَدَتْ تسْبِي بِظِلِّ جَمَالِهَا
تَحِفٌ بِسِرِّ لَطَائِفِ الأَكْوَانِ
مَعْنَاهُ دَقَّ عَنِ الأَدِيبِ الدَّانِ
اللاَّهُوتِ تَنْبُوا عَنْ سَنَى الإِمْكَانِ
صُبْحِ التَّكَاثُرِ مُستَوَى الرَّحْمَانِ
جَفْناً أَذَابَ مَعَالِمَ الأَشْجانِ
تَسْطو عَلَى العشَّاقِ بِالتِّيهَانِ
مَهْلاً فقدْ ذَابَتْ حُشَاشَةُ فَانِ
يَكْفِيهِ مَا قَدْ قَاسى مِنْ أَلَمِ النَّوا
ئِبِ وَالشَّدَائِدِ مِنْ عَنَا الأَجْفَانِ
كَمْ ضَاقَ ذَرْعاً بِالخُطُوبِ وَقَدْ غَدَا
أَبْلَتْ حَوَادِثُهَا الزَّمَانَ وَمَا لَهَا
مُتَمَنْطِقاً بِذَوَائبِ النِّيرَانِ
عَنْهُ مَنَاصٌ مزِّجَا بِتَوَانِ
فَتَكَتْ جيُوبَ الصَّبْرِ فَانْفَلَقَتْ
قُوَاهُ المُرْسَلاَتُ عَلَى القُلَيْبِ الفَانِ
مَا بِثَّ شَكْوَى لِلزَّمَانِ فَلاَ لَهُ
أَرْجُوا لَدَيْكَ مئَارِباً فِي النَّفْسِ قَدْ
حِبّي وَكَأْسِي والرُّضَابُ وَرَاحَنَا
مِنْهُ يَغارُ البَدْرُ عِنْدَ تَمَامِهِ
مَا ذَاكَ إِلاَّ أَنَّ حُسْنَ بَهَائِهِ
مَا إِنْ لَهُ فِي الكَوْنِ مِنْ شَبَهٍ وَلاَ
رَوْضُ العُقُولِ إِذَا دَنَتْ تَخْتَالُ
فِي حُكْمٌ عَلَى الرُّجْحَانِ وَالنُّقْصَانِ
نِيطَتْ وَمِنْكَ الكَشْفُ دُونَ توَانِ
فِي غَيْهَبِ الأَكْمَامِ وَالقيعَانِ
وَالشَّمْسُ مِنْهُ تَحَارُ فِي الدَّوَرَانِ
أَرْبَى عَلَى الغزْلاَنِ وَالأَكْوَانِ
فِي الدَّيْرِ مِنْ كفْإٍ وَلاَ مِنْ ثَانِ
حُلَلِ الطَّوَاسِمِ فِي جَوَاهِرِ بَانِ
كَمْ بِتُّ أَرْشُفُ ظَلْمَهُ تَحْتَ الغَسَقِ
وَالخَالُ مِسْكٌ مِنْ جَنَا التِّيجَانِ
فَاخْلعْ ثِيَابَكَ وَاطَّرِحْ تَدْنُوا إِلَى
تَلْقَى جَمالَ الحَقِّ يَلْمَعُ مِنْ هَيُو
وَتَدُورُ بَيْنَ مَعالِمِ الغزْلاَنِ فِي
وَتَرُوجُ نَحْوَ كَوَاعِبٍ تَسْطُوا عَلَى
تَلْقَاكَ غِيدُ الحُسْنِ ثَغْرُ وِصَالِهَا
وَادِ المُقَدَّسِ عَنْ دُجَا الحَدَثَانِ
لاَهُ عَلَى التَّجْرِيدِ وَالتبيَانِ
دَيْجُورِ وَصلِ سَوَالِفِ الفَتَّانِ
العُشاقِ بِالتِّيهَانِ فِي الأَجْفَانِ
أَشْهى مِنَ الصَّهْبَاءِ فِي الكِيزَانِ
وَأَلَذُّ مِنْ نَقْرِ الفَتَاتِ عَلَى الكَتِبِ
البِيضِ نَحْوَ مَرَاسمِ الأَوْطَانِ
فَاشْرَبْ عَلَى الصَّوْتِ القَدِيمِ زُجَاجَةَ
قَدْ نَاوَلتْ كَفِّي بِظِلِّ شُعَاعِهَا
فَرَأَيْتُ مَعْنَى جَمَالِهِ فِي الكَأْسِ
مِنْ الوِجَنَاتِ مِنْ أَحَدِيَةِ الكِتْبَانِ
كَأْساً تضَاحكَ عَنْ ثُغُورِ غِوَانِ
دُونِ البَرَاقِعِ وَالحسَانُ حِسَانِ
يَا لَيْتَ رَشْفَ أُقاحِهَا أَضْحَى
سَمِيرَ الوَجْدِ فِي الأَدْوَاحِ وَالأَفْنَان
اِنْتَهَى بِحَمْدِ اللَّهِ وَحُسْنِ عَوْنِهِ وَتَوْفِيقِهِ الجَمِيلِ. وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلاَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّم.
ويليه بمشيئة الله سبحانه مولد العلم الأحمدي لسيدي أحمد الحلواني رضي الله تعالى عنه