يتهم تينيت في هذا الجزء من كتابه كبار مسئولي إدارة الرئيس بوش بأنهم كانوا يبيتون النية لغزو العراق حتى من قبل تولي بوش السلطة ، رغم حقيقة أن المعلومات الاستخبارية - حينئذ - لم تكشف عن أي دليل يشير إلي تورط صدام في هجمات 11 سبتمبر..
وفي مقدمة لائحة اتهامه يأتي نائب الرئيس ديك تشيني ومنظر المحافظين الجدد ريتشارد بيرل ونائب وزير الدفاع بول وولفويتز, الذين ربطوا بخبث قرار حرب العراق بهجمات 11 سبتمبر لتبريرها , مشيرا الى أن التحقيقات التي أجرتها وكالة الاستخبارات المركزية لم تثبت حيازة نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل , ولكن خطة الإطاحة بصدام كانت جاهزة حتي من قبل هجمات 11 سبتمبر
ترجمة/ مجدي كامل.
في اليوم التالي لهجمات 11سبتمبر, التقيت بالمسؤول السابق في وزارة الدفاع وأحد أبرز مفكري المحافظين الجدد ريتشارد بيرل , بينما كان خارجًا من البيت الأبيض.
وقد فوجئت ببيرل , الذي لم يكن يشغل منصبًا رسميًا في الإدارة الأميركية , يقول : على العراق أن يدفع ثمن ما حدث بالأمس. إنه يتحمل المسؤولية. وقد صدمني ما سمعت , فالتفت إلى الخلف سائلاً نفسي: " ما الذي يتحدث عنه هذا الرجل بحق الجحيم ".
كما رحت أتساءل عن سبب وجود بيرل في البيت الأبيض في أولى ساعات صباح ذاك اليوم تحديدًاً ؟!.
بوش وصقوره وصلوا البيت الأبيض والنية مبيتة لغزو العراق !! و استغلوا أجواء سبتمبر لغسل مخ الأمريكيين وكسب تأييدهم للحرب !!
سيظل الموعد المحدد ، الذي أصبح فيه غزو العراق أمراً حتمياً ، أحد أكبر الألغاز بالنسبة لي. فقد كنت في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والشهور أيضاً التي سبقتها ، مشغولاً إلى حد الهوس بالحرب على الإرهاب.
و لم تكن الليالي الطويلة التي جافاني فيها النوم في تلك المرحلة لها أي صلة بصدام حسين ، وإنما كانت القاعدة هي التي تسيطر علي الكوابيس التي كانت تداهمني في نومي ، ولم يكن السؤال هو : ماذا لو ضربت ؟ ".. وإنما كان حول الشكل الذي ستتخذه ضربتها المقبلة بمعنى : كيف ستضرب ؟.
وكنت أقدح زناد تفكيري حول ما يمكننا عمله لتعطيل وعرقلة ومنع مثل هذا الهجوم.
وعندما أعود بذاكرتي للوراء ، فإنني أتمنى لو كان بمقدوري أن أعطي مجهوداً واهتماماً مماثلاً للعراق.
ففي ضوء جميع الأخطاء الفادحة التي قدر للإدارة الأميركية الوقوع فيها ، كان العراق يستحق مساحة أكثر من وقتي.
ولكن عذري هو أن ما كان لدينا في تلكم الفترة من حقائق مجردة ، لم يكن ليجعلني أتصور أن هناك أي داع أو ضرورة لتحرك قطار الغزو وبمثل هذه السرعة.
فكثير من أفراد إدارة بوش كان العراق يمثل شغلهم الشاغل حتي من قبل وصولهم معه للسلطة ، ولدى وصولهم كان العراق يسيطر علي تفكيرهم.
فبعد إعلان بوش رئيساً ، وقبل توليه الفعلي للسلطة بوقت قصير ، كان ديك تشيني قد طلب من ويليام كوهين وزير الدفاع الذي كان يغادر منصبه تقديم تقرير شامل وكامل عن العراق ، والخيارات المتاحة فيما يتعلق بهذا البلد.
وبالنسبة لي كان الأمر يبدو طبيعياً أن يتم إحاطة الرئيس الجديد وبسرعة بكل ما يتعلق بالقضايا محل اهتمام الولايات المتحدة.
فقد كانت أطقم مقاتلاتنا الجوية تحرس المنطقة المحظور الطيران فوقها شمال العراق وسط مخاطر كبيرة ، في الوقت الذي كانت فيه العقوبات المفروضة ضد صدام تتآكل بخطى منتظمة.
رجال بوش ومنظروهم حاولوا مداراة فشلهم في سبتمبر بفبركة علاقة وهمية بين العراق والقاعدة وأسلحة الدمار !!
وكان هناك ومنذ البداية ثمة دليل علي أن نائب الرئيس ديك تشيني لديه نية مبيتة للتدخل في توجيه مسار عمل وكالة المخابرات المركزية وما تقوم به من جمع معلومات وإعداد تقارير.
وقد تركت قضية لويس ليبي ( مدير مكتب ديك تشيني نائب الرئيس الذي أدانته المحكمة بتهمة تسريب اسم فاليري بليم ويلسون العميلة السرية بوكالة الاستخبارات المركزية "سي.آي.ايه " الى الصحافة ) تركت هذه القضية وما أثير خلال المحاكمة من أن اعتراف ليبي بأن تشيني هو الذي أمره بأن يكشف للصحفيين اسم فاليري ، انطباعاً بأن هناك شكل ما من أشكال الحرب تدور بين " سي. آي. إيه " ومكتب نائب الرئيس. ولو كانت هناك حرب فهي من جانب واحد ( مكتب تشيني ) فنحن بهذا المعنى لسنا بمقاتلين.
وحتى هذه اللحظة ، رأيت تشيني مهتماً بأحوال الوكالة ، ومستمراً في طرح الأسئلة الصعبة ، وكنت أرحب بأسئلته ، ما دمت أجيب بما لدي من حقائق ومعلومات ، وليس ما يود الطرف الآخر سماعه.
ولكن حدث ما أثار حفيظة العاملين بوكالتي.. فقد بات مسئولو إدارة بوش لا هم لهم سوي العراق وبالتحديد علاقة العراق بتنظيم القاعدة ، وكلما أكدنا لهم أن معلوماتنا لا تظهر أي صلة بين الطرفين ، لا يستسيغوا الرد.
وقد جاءت إلي في أحد أيام عام 2002 جامي ميسيك التي تشغل منصب كبير محللينا في الوكالة تشكو من أن عدداً من صانعي السياسات بإدارة بوش حددت منهم سكوتر ليبي وبول وولفويتز يظهرون الامتعاض وعدم الرضا عن ردودنا علي أسئلتهم المتكررة فيما يتعلق بتورط العراق في علاقات مع تنظيم القاعدة.
وما كان مني إلا أن قلت لها قولي لمحللينك أن يردوا عليهم في المرة القادمة بعبارة مقتضبة هي : ردنا هو نفسه كما المرة السابقة.
والحقيقة أن التركيز علي العراق بواسطة كبار المسئولين في إدارة بوش كان هو شغلهم الشاغل ومنذ البداية.
ولم لا وقد كان بول وولفويتز وريتشارد بيرل ودوجلاس فيث من بين ثمانية عشرة شخصاً وقعوا علي رسالة علانية صادرة عن جماعة أطلقوا عليها اسم " مشروع القرن الأمريكي الجديد " ويطالبون فيها بإسقاط صدام حسين.
و غالباً ما يُنسى أيضاً أن تغيير النظام في العراق كان سياسة رسمية معلنة أيضا ً لإدارة الرئيس بيل كلينتون ، وكان الهدف من قانون تحرير العراق الذي أعلنه الكونجرس في عام 1998.
وقد تم تخصيص 100 مليون دولار لوزارة الخارجية لاستخدامها في عملية السعي لوضع نهاية لنظام صدام.
وفي بداية عمل إدارة بوش اقترح وزير الخارجية كولين باول تخفيف العقوبات الدولية علي العراق ، واستبدالها بما اصطلح علي تسصميته بـ " العقوبات الذكية ".. وفي أوائل عام 2001 ، تحدث عن أن أمريكا يتم اغتيالها سياسياً أمام محكمة الرأي العام العالمي لوجود انطباع في العالم بأن أطفال العراق يموتون جوعاً بسبب هذه العقوبات.
و اقترح باول من أجل تحسين صورتنا في العالم أن يتم استبدال العقوبات القائمة بأخري " ذكية " تتركز أكثر علي المشتروات العسكرية.
ولكن باقي أفراد الإدارة رفضوا قائلين بأن هذا سيسمح لصدام بالمراوغة واستعادة برامج أسلحته ولكن مع تمسك باول باقتراحه ، وافقوا علي " العقوبات الذكية " ، ولكن أيضاً اطاحوا بها بسرعة كأن لم تكن !