الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
نكمل بإذن الله ما سبق
وأما الحديث الذى أشرت إليه فيما تقدم فهوما رواه عبدالله بن مسعود رضى الله عنه , صلى الله عليه وسلم وهو : قوله صلى الله عليه وسلم :
( إن للشيطان لمة بإبن آدم وللملك لمة , فأما لمة الشيطان فإيعاذ بالشر وتكذيب بالحق , وأما لمة الملك فإيعاذ بالخير وتصديق بالحق , فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله سبحانه وتعالى فليحمد الله , ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) ثم قرأ :
( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء ) . انتهى
وذلك لأن أفعال بنى آدم تابعه لإرادتهم , وأرادتهم تابعه لاعتقادهم النفع فى الطلب والضرر فى الهرب , والاعتقاد قد يكون صحيحا بأن يكون ما أعتقد نفعه نافعا فى الدين والدنيا أو الدين وحده , وكذا ما أعتقد ضره وقد يكون فاسداً .
والتمييز بين النفع الصحيح والضر الصحيح وغيرهما لا تفى به القوة البشريه , بل لابد من قوة خارجية إما ملكية تريه الشىء كما هو أو شيطانية تلبس عليه , وإنما قلنا أن القوة البشرية لا تفى بذلك لآن إدراكه بالحواس يقصر على الأمور الظاهرة, وبالعقل لا يخلو عن قصور مالم يتجرد العقل عن العلائق الظلمانية بالتأييد بنور البصيرة على ما يشهد به الوجدان فلابد من قوة خارجية بشرية مناسبة للشيطان من حيث إنه مخلوق من النار وهى فى خلق الإنسان من حيث هو مخلوق من صلصال كالفخار فإنه يفهم منه أن النار دخلت فى خلقه كدخول النار فى الفخار .
وكذا لابد من مناسبة للملك , وتلك المناسبة من حيث قلب الإنسان أو روحه لآن كلا منهما من عالم الأمر ثم ذكر صلى الله عليه وسلم أثر لُمّتيهما ليستدل على الأثر بالمؤثر وهو أن لمه الشيطان تؤثر بإيعاذه الشر بأن يخوف الشيطان بالفقر عند السخاء وبفوات اللذات الحاضرة عند ترك المشتهيات والإفضاء إلى التلف والعجز أو الذل عند عدم إمضاء الغضب , ويخوف بالتعب عند العبادات أو عند ترك الدنيا وأما تأثيرها بالتكذيب فهو بإنكار الصانع والأنبياء والأولياء والأمور الأخروية التى يترك لها إمضاء المشتهيات والغضب .
وقدم بحث لمته على بحث لمة الملك ليتطهر منه حتى يتحقق بمعرفة لمة الملك , وارشدنا صلى الله عليه وسلم الى أن لمة الملك تؤثر بإيعاذها الخير ما يوجب انتظام أمور الدارين والتقرب من رب العالمين والتخلق بأخلاقه والتعرض لثوابه والهرب من عقابه فى ترك الشهوة والغضب .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
|