أشكر الأخ جليبيب وجزانا وإياك وبارك الله فيك وزادك الله همة وعمل فى سبيل الله وفى خدمة حضرة النبى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته
---------------------------------------------------
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا معنا اليوم الحكمة الخمسون بعد المائة من الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( ما حجبك عن الله وجوده وجود معه , إذ لا شئ معه ولكن حجبك عنه توهم موجود معه )
الحق تعالى ظاهر , ونوره للبصائر باهر إنما حجبه مقتضى اسمه الحكيم واسمه القاهر فما حجبك عن شهود الحق وجود شئ معه :
{ أإله مع الله , تعالى الله عما يشركون }
ولكن حجبك عن شهوده توهم وجود موجود معه ولا شئ معه وكما كان ولا شيء , بقى ولا شئ { هو الأول والآخر والظاهر والباطن }
واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله , فالفعل لا يصدر من غير صفة , والصفة لا تفارق الموصوف , فالفعل متحد والفاعل واحد والصفة متحدة والمتصف بها واحد . وللششتري رضي الله عنه : صفاتي لا تخفي لمن نظر وذاتي معلومة تلك الصور فافن عن الاحساس ترى عبر
وسبب توهم الغيرية عدم الفكرة , وسبب عدم الفكرة حب العاجلة فهي الشاغلة للقلوب عن السير إلى حضرة علام الغيوب وحكمة حب الدنيا ظهور القهرية , فمن قهاريته تعالى أن احتجب بلا حجاب , وغطي نور شمسه بلا سحاب.
وأيضاً قوالب العبودية حجبت مظاهر أنوار الربوبية , ووجود الحكمة ستر ظهور القدرة .
وقال بعض العارفين : الحق تعالى منزه عن الأين والجهة والكيف والمادة والصورة , ومع ذلك لا يخلو منه أين ولا مكان ولا كم ولا كيف ولا جسم ولا جوهر ولا عرض , لأنه للطفه سار في كل شئ , ولنوريته ظاهر في كل شيء ولإ طلاقه واحاطته متكيف بكل كيف غير متقيد بذلك , ومن لم يذق هذا ولم يشهده فهو أعمى البصيرة , محروم عن مشاهدة الحق اهـ ومن كلام ابن وفا رضي الله عنه :
هو الحق المحيط بكل شئ ... هو الرحمن ذو العرش المجيد هو النور المبين بغير شك ... هو الرب المحجب في العبيد هو المشهود في الإشهاد يبدو ... فيخفيه الشهود عن الشهيد هو العين العيان لكل غيب..... هو المقصود من بيت القصيد جميع العالمين له ظلال ... سجود في القريب وفي البعيد وهذا القدر في التحقيق كاف ... فكف النفس عن طلب المزيد
وقال الشيخ القطب مولاي عبد السلام بن مشيش مخاطباً لوارثه الشيخ أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنهما في وصية له وقد تقدمت : حدد بصر الإيمان تجد الله تعالى في كل شيء , وعند كل شئ , وقبل كل شئ , وبعد كل شئ , وفوق كل شئ , وتحت كل شيء ,وقريباً من كل شئ , ومحيطاً بكل شئ , بقرب هو وصفه , وبحيطة هي نعته , وعد عن الظرفية والحدود , وعن الأماكن والجهات , وعن الصحبة والقرب في المسافات , وعن الدور بالمخلوقات , وامحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن , وهو هو :
" كان الله ولا شئ معه , وهو الآن على ما عليه كان " اهـ
قال بعضهم : ونبه بقوله وعد الخ على أن ما جرى في كلامه من الظروف ليست بزمانية ولا مكانية , لأنها من جملة الأكوان : وإنما هي أمور ذوقية فاعتقد كمال التنزيه وبطلان التشبيه , وتمسك بقوله عز وجل : { ليس كمثله شئ وهو السميع البصير }
وسلم ذلك لأهله فإنهم على بصيرة فيما رمزوا إليه مما ذاقوه ووجدوه , بل هو من محض الإيمان وخالص العرفان , وهو حقيقة التوحيد وصفو الإيمان وأما قوله وهو الآن على ما عليه كان وإن لم يرد في الحديث الصحيح , فهو في نفسه صحيح , إذ لا وجود في الحقيقة للأشياء معه تعالى ,وإنما هي كالخيال , ووجود الظلال , فلا تنسخ أحديته ولا ترفع فردانيته .
وبالجملة فمن غلب عليه شهود الأحدية , وكوشف بسر الوحانية واستغرق في الحقيقة العيانية , انقطع عن الشهور بنفسه , وغاب عن السوى بالكلية , وإن رد إلى الشعور به رآه قائماً به وظارهاً فيه وبه حكماً من أحكامه أهـ
وقال في لطائف المنن : وأشبه شئ بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال والظل , لا موجود باعتبار جميع مراتب الوجود ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم .
وإذا اثبتت ظلية للآثار لم تنسخ أحدية المؤثر , لأن الشئ إنما يشفع بمثله ويضم إلى شكله , كذلك أيضاً من شهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله فإن ظلال الأشجار في الأنهار لا تعوق السفن عن التسيار ومن ها هنا تبين لك أن الحجاب ليس أمراً وجودياً بينك وبين الله تعالى ولو كان بينك وبينه حجاب وجودي للزم أن يكون أقرب إليك منه ولا شئ أقرب من الله , فرجعت حقيقة الحجاب إلى توهم الحجاب اهـ
ولما قرر أمرالوحدة ونفي وجود الغيرية , استشعر سائلاً يقول له : وهذه المكونات الظاهرة فما تقول فيها مع ثبوت الوحدة فأجاب بأنها قائمة به , ولولا ظهور نوره فيها ما ظهرت
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|