الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وسلم تسليماً كثيرا معنا اليوم الحكمة الستون بعد المائة من الحكم العطائية لسيدى ابن عطاء الله السكندرى وهى :
( ومتى كنت إذا أعطيت بسطك العطاء , وإذا منعت قبضك المنع , فاستدل بذلك على ثبوت طفوليتك , وعدم صدقك في عبوديتك )
الطفولية والتطفل هو الدخول في قوم وليس منهم ولم يستأذنهم والطفيلي : هو الذي يأتي للوليمة من غير دعوة , وهو منسوب إلى رجل من أهل الكوفة من بني عبد الله بن غطفان كان يقول له طفيل الأعراس :كان يأتي إلى الولائم من غير أن يدعي إليها فشبه المؤلف به من دخل مع القوم ولم يتحقق بما تحققوا به من استواء الأحوال , فإذا كنت أيها الفقير إذا أعطيت حظوظك ومناك واتصلت بعوائدك وهواك , من الغنى والعز والجاه والبسط والصحو والعافية , وغير ذلك من الحظوظ والشهوات انبسطت وفرحت , وإذا منعت من حظوظك وشهواتك وأبدلك الغني بالفقر , والعز بالذل , والجاه بالخمول , والبسط بالقبض والصحة بالمرض , والعافية بالبلية , انقبضت وجزعت فاستدل بذلك على ثبوت تطفلك على كلامهم , ولا نسبة لك من مقامهم , وإنما أنت طفيلي الأعراس , مازلت في غفلة النعاس , واستدل بذلك أيضاً على عدم صدقك في عبوديتك إذ الصدق في العبودية يقتضي استواء النعمة والبلية كما قال الشاعر:
أحباي أنتهم أحسن الدهر أم أسا فكونوا كما شئتم أنا ذلك الخل
قال أبو عثمان الحيري رضي الله عنه : لا يكمل الرجل حتى يستوي قلبه في أربع أشياء :في المنع والعطاء والعز والذل اهـ
فإذا كان الفقير يتضعضع عند الجلال , وينهزم عند حملة الأبطال , فاعلم انه ضعيف الحال , متطفل على مقامات الرجال .
قال في التنوير : وقد ابتلى الله بحكمته ووجود منته الفقراء الذين ليسوا بصادقين , بإظهار ما كتموا من الرغبة وأسروا من الشهوة , فابتذلوا أنفسهم لأبناء الدنيا مباسطين لهم ملايمين لهم , موافقين لهم على ملذوذاتهم , مدفوعين على أبوابهم فترى الواحد منهم يتزين كما تتزين العروس , معتنون بإصلاح ظواهرهم , غافلون عن إصلاح سرائرهم , ولقد وسمهم الحق بسمة كشف بها عوارهم وأظهر أخبارهم , فبعد أن كانت نسبته أن لو صدق مع الله أن يقال فيه عبد الكبير , فخرج من هذه النسبة لعدم صدقه فصار يقال له شيخ الأمير أولئك الكاذبون على الله , الصادون العباد عن صحبة أولياء الله , لأن ما يشهده العموم منهم يسحبونه على كل منتسب لهم , صادق وغير صادق فهم حجب أهل التحقيق , وسحب شموس أهل التوفيق ضربوا طبولهم , ونشورا أعلامهم , ولبسوا دروعهم , فإذا وقعت الحملة ولّوا على أعقابهم ناكصين , ألسنتهم منطلقة بالدعوى وقلوبهم خاوية من التقوى , ألم يسمعوا قوله تعالى :
{ ليسئل الصادقين عن صدقهم }
أترى إذا سأل الصادقين عن صدقهم , أيترك المدعين من غير سؤال ؟ ألم يسمعوا قوله سبحانه :
{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون }
فهم في الظاهر فى زي الصادقين , وعملهم عمل المعرضين كما قال القائل :
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وارى نساء الحي غير نسائها لا والذي حجت قريش بيته ... مستقبلين الركن من بطحائها ما أبصرت عيني خيام قبيلة ... ألا بكيت أحبتي بفنائها
وحاصلها : آداب المريد في المدح والذم , ومرجعها إلى خمسة : الأول : ذم النفس عند مدحها بما ليس فيها الثاني : استحياؤه من الله أن يمدح بوصف لا يشهده من نفسه الثالث : أن يرجع إلى يقين ما عنده عليه , ولا يغتر بظن ما عند الناس فيعتمد عليه . الرابع : أن يكثر من الحمد والشكر لمولاه , حيث ستر عيوبه وأظهر توفيقه وهداه . الخامس : أن يكون معتدل الحال سليم القلب فلا يحزن عند الذم ولا يفرح عند المدح .
قال بعض العارفين : إذا قيل لك نعم الرجل أنت فكان أحب إليك من أن يقال لك بئس الرجل أنت : فأنت والله بئس الرجل اهـ
وجاء رجل إلى شيخ شخنا مولاي العربي رضي الله عنه فجعل يمدحه في وجهه , فقال له : يا هذا لا تغرني بقولك , أنا أعرف نفسي حين أكون أفضل الوجود أو أقل الوجود , فالوقت الذي أكون فيه ذاكراً لربي أنا أفضل الوجود , والوقت الذي لا أذكر الله فيه أنا أقل الوجود أو كلام هذا معناه لكن هذا الآدب الخامس يختلف باختلاف الأحوال .
فالعباد يغلبون حب الذم على المدح , والعارفون يغلبون حب المدح على الذم أو يعتدلون كما يعتدلون في حال المنع والعطاء والقبض والبسط , والذل والعز , والفقر والغنى وغير ذلك من اختلاف الآثار , وتنقلات الأطوار , ومن جملة ذلك الخوف والرجاء بحيث إذا صدرت منهم طاعة لا يزيد رجاؤهم , وإذاوقعت منهم زلة لا يعظم خوفهم ولا تنقص استقامتهم
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
|