موقع د. محمود صبيح

منتدى موقع د. محمود صبيح

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين



إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 
الكاتب رسالة
 عنوان المشاركة: قوله تعالى (تؤتى الملك من تشاء) وكلام العلماء فيها
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس إبريل 07, 2011 4:59 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1435

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا رسول الله وآله أجمعين

قال الله الملك الحق المبين ، بسم الله الرحمن الرحيم
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27) صدق الله العظيم .

هذه آية من آيات الله .. أحببت أن أطلع على أقوال العلماء فى معناها .. فكتبتها لتعم الفائدة .. ويزداد يقين المسلم فى خضم الأحداث .. أن الملك بحق ليس إلا لله تعالى ... وأن الذى بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون .. هو ربنا ذو الجلال والإكرام .. فهذه نخبة من أقوال السادة المفسرين .. وأهل الله .. فى معنى تلك الآية المباركة

قال ابن عادل الحنبلى فى تفسيره اللباب (4/6) :

فصل في بيان سبب النزول

في سبب النزول وجوهٍ :

أحدها :
قال ابن عباس وأنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة وعد أمته ملك فارس والروم ، فقال المنافقون واليهود : هيهاتَ ، هيهاتَ ، من أين لمحمد ملك فارس والروم وهم أعزُّ وأمْنَعُ من ذلك ! ألم يكفِ محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم؟
فأنزل الله - تعالى - هذه الآية .

وثانيها :
روي أنه عليه السلام لما خَطَّ الخندق عام الأحزاب ، وقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً وأخذوا يحفرون ، خرج من وسط الخندق صخرة كالتل العظيم ، لم تعمل فيها المَعَاوِلُ .
فوجهوا سَلْمَان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ المعول من سلمان ، فلما ضربها صدعها وبرق منها بَرْقٌ أضاء ما بين لابتَيْها ، كأنه مصباح في جوف ليل مظلم ، فكبر ، وكبر المسلمون ، وقال عليه السلام : « أضاءت لي منها قصور الحيرة كأنها أنياب الكلابِ ، ثم ضرب الثانية فقال أضاءت لي منها قصور صنعاء ، ثم ضرب الثالثة فقال : أخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة على كلها ، فأبشروا » ، فقال المنافقون : ألا تعجبوا من نبيكم ، يَعِدُكم الباطل ، يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ، ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم ، وأنتم تحفرون الخندق من الخوف لا تستطيعون أن تخرجوا ، فنزلت هذه الآية .

وثالثها :
قال الحسنُ : إن الله تعالى أمر نبيه أن يَسأله أن يعطيه ملك فارس والروم ، ويردَّ ذل العرب عليهما ، وأمره بذلك دليل على أنه يستجيب له هذا الدعاءَ ، وهكذا منازل الأنبياء إذا أمِرُوا بدعاء استُجِيب دعاؤهم .

وقيل : نزلت دامغةً لنصارى نجرانَ ، في قولهم : إن عيسى هو الله ، وذلك أن هذه الأوصافَ تبين - لكل صحيح الفطرة - أن عيسى ليس فيه شيءٌ منها .

قال ابن إسحاق : أعلم الله تعالى في هذه الآية بعنادهم وكُفْرهم ، وأن عيسى عليه السلام وإن كان الله تعالى أعطاه آياتٍ تدل على نبوته ، من إحياءِ الموتى وغير ذلك ، فإن الله عز وجل هو المنفردُ بهذه الأشياءِ من قوله { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } إلى قوله { وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }

يتبع بمشيئة الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين إبريل 11, 2011 12:44 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1435
فصل
قوله : { مَالِكَ الملك } أي : مالك العباد وما ملكوا .
وقيل : مالك السموات والأرض قال الله تعالى في بعض كتبه : « أَنَا اللهُ ، مالك الملك وملك الملوك ، قُلُوبُ المُلُوكِ ونواصِيهم بِيَدِي ، فإِن العِبَادُ أطاعوني جَعَلْتُهُم عَلَيهم رحمةً ، وإن عصوني جعلتُهُم عليهم عقوبةً ، فلا تشغلوا أنفسَكم بسَبِّ الملوكِ ، ولكن توبوا إليَّ فأُعَطِّفَهُم عَلَيكُم » .

فصل
قال الزمخشريُّ : « مالك الملك ، أي : يملك جنس الملك ، فيتصرف فيه تصرُّفَ المُلاَّك فيما يملكون » .

قال مجاهدٌ وسعيدٌ بنُ جُبَيْر والسُّدِّي : « تُؤتِي الْمُلْكَ » يعني النبوَّة والرسالة ، كما قال تعالى { فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الكتاب والحكمة وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } ، فالنبوة أعظم مراتب الملك؛ لأن العلماء لهم أمر عظيم على بواطن الخلقِ ، والجبابرة لهم أمر على ظواهر الخلق والأنبياء أمرهم نافذ ظاهراً وباطناً ، أما باطناً؛ فلأنه يجب على كل أحد أن يقبل دينهم وشريعتَهم ، وأن يعتقدَ أنه هو الحقُّ ، وأما ظاهراً؛ فلأنهم لو خالفوهم لاستوجبوا القتلَ

فإن قيل : قوله : { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } يدل على أنه قد يَعْزِل عن النبوة مَنْ جعله نَبِيًّا ، وذلك لا يجوزُ .

فالجوابُ من وجهين :

الأول :

أن الله تعالى إذا جعل النبوة في نسل رجلٍ ، فإذا أخرجها الله تعالى من نسله ، وشرَّف بها إنساناً آخرَ من غير ذلك النسل صح أن يقال : إنه تعالى نَزَعَهَا منهم ، واليهود كانوا معتقدين أن النبوةَ لا تكون إلا في بني إسرائيل ، فلما شرَّف الله بها محمَّداً صلى الله عليه وسلم صَحّ أن يُقَالَ : إنه نزع مُلْكَ النبوةِ من بني إسرائيلَ إلى العرب .

الثاني :
أن يكون المراد من قوله { وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } ، أي : تحرمهم ، ولا تعطيهم هذا الملك ، لا على معنى أنه يسلب ذلك بعد إعطائه
ونظيره قوله تعالى { الله وَلِيُّ الذين آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظلمات إِلَى النور } مع أن هذا الكلام يتناول مَن لم يكن في ظلمة الكفرِ قطّ .

وحكي عن الكفار قولهم للأنبياء عليهم السلام { أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا } وقول الأنبياء { وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله رَبُّنَا } مع أنهم لم يكونوا فيها قط .

وعلى هذا القول تكون الآية رَدًّا على أربع فِرَقٍ :

إحداها : الذين استبعدوا أن يجعل الله بَشَراً رسولاً .

الثانية : الذين جوَّزوا أن يكون الرسول من البشر ، إلا أنهم قالوا : إن محمداً فقير { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ } .

الثالثة : اليهود الذين قالوا : إن النبوة في أسلافِنَا ، وإن قريشاً ليست أهلاً للكتاب والنبوة .

الرابعة : المنافقون ، فإنهم كانوا يحسدونه على النبوة ، على ما حكى عنهم في قوله { أَمْ يَحْسُدُونَ الناس على مَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ } .

يتبع بمشيئة الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الثلاثاء إبريل 12, 2011 5:48 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1435
وقيل : المراد ما يُسَمَّى مُلْكاً في العُرْف ، وهو عبارة عن أشياء :

أحدها : كثرة المال والجاه .
الثاني : أن يكون بحيث يجب على غيره طاعتُه ، ويكون تحت أمرِه ونهيِه .
الثالث : أن يكونَ بحيث لو نازعه في مُلْكه أحدٌ قَدَرَ على قهر ذلك المنازع .

أما كثرةُ المالِ .. فقد نرى الرجل اللبيب لا يحصل له - مع العناء العظيم ، والمعرفة الكثيرة - إلا قليل من المال ، ونرى الأبْلَهَ الغافلَ قد يحصل له من الأموال ما لا يعلم كميتها .
وأما الجاه ... فالأمر فيه أظهر .

أما القسم الثاني - وهو وجوب طاعة الغير له - فمعلوم أن ذلك لا يحصل إلا من الله .

وأما القسم الثالث - وهو حصول النصرة والظفر - فمعلوم أن ذلك لا يحصل إلا من الله تعالى؛ فكم شاهدنا من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله تعالى .

فصل

قال الكعبيُّ : قوله { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } ، أي : بالاستحقاق ، فتؤتيه من يقوم به ، وتنزعه من الفاسقِ؛ لقوله تعالى { لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين } وقوله في العبد الصالح { إِنَّ الله اصطفاه عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العلم والجسم } فجعله سبباً للملك .

وقال الجبائيُّ : هذا الملك مختص بملوك العَدْل ، فأما ملوك الظلم ، فلا يجوز أن يكون ملكُهم بإيتاء الله تعالى .. وكيف يصح أن يكون بايتاء الله تعالى وقد ألزمهم أن لا يمتلكوه ، ومنعهم من ذلك ، فقد صح - بما ذكرناه - أن الملوك العادلين هم المخصوصون بأن الله تعالى آتاهم ذلك الملكَ : وأما الظالمون فلا .

قالوا : ونظيرُ هذا ما قلنا في الرزق أنه لا يكون من الحرام الذي زَجَرَ الله تعالى عنه ، وأمره بأن يرده على مالكه ، فكذا ههنا .
قالوا : وأما النزعُ ، فإنه بخلاف ذلك؛ لأنه - كما ينزع الملكَ من الملوك العادلين؛ لمصلحة تقتضي ذلك - قد ينزع الملكَ عن الملوك الظالمين ، ونزع الملك يكون بوجوه :

منها : بالموت ، وإزالة العقل ، وإزالة القوى ، والقدرة ، والحواسّ .
ومنها : بورود الهلاكِ ، والتلف على الأموال .
ومنها : أن يأمر الله تعالى المُحِقَّ بأن يسلبَ الملكَ الذي في يد المتغلب المُبْطِل ، ويؤتيه القُوة ، والنُّصرة عليه ، فيقهره ، ويسلب ملكه .
فيجوز أن يُضاف هذا السلب والنزع إلى الله تعالى لأنه واقع عن أمره ، كما نزع الله تعالى مُلْكَ فارسِ ، على يد الرسول عليه السلام .

فالجوابُ : أن تقول : حصولُ المُلْكِ للظالِم إما أن يكون حصل لا عَنْ فاعل ، وذلك يقتضي نفي الصانع ، وإما أن يكون حصل بفعل المتغلِّب ، وذلك باطل؛ لأن كل أحد يريد تحصيل الملك والدولة لنفسه ، ولا يتيسر له ألبتة ، فلم يبق إلا أن يقال : بأن ملك الظالمين إنما حصل بإيتاء الله تعالى وهذا أمرٌ ظاهر؛ فإن الرجلَ قد يكون مُهَاباً ، والقلوب تميل إليه ، والنصر قريب له ، والظفر جليس معه ، وأينما توجه حصل مقصوده ، وقد يكون على الضد من ذلك .
ومن تأمل في كيفية أحوالِ الملوكِ اضطر إلى العلم بأن ذلك ليس إلا بتقدير الله .

ولذلك قال بعض الشعراءِ :
لَوْ كَانَ بِالْحِيَلِ الْغِنَى لَوَجَدتنِي ... بِأجَلِّ أسْبَابِ السَّمَاءِ تَعَلُّقِي
لَكِنَّ مَنْ رُزِقَ الْحِجَا حُرِمَ الغِنَى ... ضِدَّانِ مُفْتَرقَانِ أيَّ تَفَرُّقِ
وَمِنَ الدَّلِيل عَلَى الْقَضَاءِ وَكَوْنِهِ ... بُؤسُ اللَّبِيبِ وَطِيبُ عَيْشِ الأحْمَقِ

يتبع بمشيئة الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الأحد إبريل 17, 2011 1:37 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1435
وقيل : قوله تعالى : { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } محمول على جميع أنواع الملكِ ، فيدخل فيه ملك النبوةِ ، وملكُ العلمِ ، وملكُ العقلِ والأخلاقِ الحسنةِ ، وملكُ البقاءِ والقدرةِ ، وملك محبة القلوبِ ، وملك الأموال؛ لأن اللفظ عام ، فلا يجوز التخصيص من غير دليل .

وقال الكلبيُّ : { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } العرب ، { وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } أبا جهل وصناديد قريش .
وقيل : { تُؤْتِي الملك مَن تَشَآءُ } آدم وولده ، { وَتَنزِعُ الملك مِمَّنْ تَشَآءُ } من إبليس وجنده .

قوله : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } .

قال عطاء : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } المهاجرين والأنصار ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } فارس والروم .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } محمداً وأصحابه ، حين دخلوا مكة في عشرة آلاف ظاهرين عليها { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } أبا جهل وأصحابه ، حين حُزَّت رؤوسُهم ، وألْقُوا في القليب .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالإيمان والهداية ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالكفر والضلالة .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالطاعة ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالمعصيةِ .
وقيل : { وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالنصر ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالقهرِ .
{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالغنى ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالفقرِ .
{ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ } بالقناعة والرِّضا ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ } بالحرص والطمع .

قوله : { بِيَدِكَ الخير } في الكلام حذف معطوف ، تقديرُهُ : والشَّرُّ ، كقَوْلِهِ تَعَالى { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر } [ النحل : 81 ] ، أي : وَالبَرْدَ .

وكَقَوْلِهِ :
كأنَّ الْحَصَى مِنْ خَلْفِهَا وَأمامِهَا ... إذَا أنْجَلَتْهُ رِجْلُهَا خَذْفُ أعْسَرَا
أي ويدها .

قال الزمَخْشَريُّ : فَإن قُلْتَ : كَيْفَ قَالَ (بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) دُونَ الشَّرِّ؟
قلت : لأنَّ الكَلامَ إنَّما وَقَعَ في الْخَيْرِ الَّذِي يَسُوْقُهُ اللهُ إلى الْمُؤمِنين ، وَهُوَ الَّذِي أنْكَرتهُ الْكَفَرةُ .
فقال : { بِيَدِكَ الخير } تؤتِيْه أوْلِياءَكَ عَلى رَغْم مِنْ أعْدائِكَ .
وقيل : خَصَّ الخيرَ؛ لأنَّه فِي مَوْضِعِ دُعَاءٍ ، وَرَغْبَةٍ فِي فَضْلِهِ .
وقيل : هَذَا مِنْ آدابِ الْقُرآنِ؛ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّح إلاَّ بِمَا هُوَ مَحْبُوبٌ لِخَلْقِه ، وَمِثْلُه « والشر ليس إليك » ، وَقَوْلُهُ تَعَالى { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ }.

فصل

الألف وَاللامُ فِي « الْخَيْرِ » يُوجِبَانِ العُمُوم ، وَالْمَعْنَى : أنَّ الْخَيْرَاتِ تَحْصُلُ بقدرتك ، فَقولُهُ : « بِيَدِكَ » لاَ بِيَدِ غَيْركَ ، كَقَوْلِهِ : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }، أي : لَكُم دِيْنُكُمْ لا لغيركم ، وذَلِكَ الحَصْرُ منَافٍ لِحُصُولِ الْخَيْرِ بِيَدِ غَيْرِه فثبت دلالةُ الآيةِ عَلَى أنَّ الْجَمِيع مِنهُ بِخَلْقِه وتكوينه ، وَإيْجَادِهِ وَفَضْلِهِ ، وَأفضلُ الخيرات هو الإيمان بالله ، فوجب أن يكون الخير من تخليق الله لا مِنْ تَخْلِيق الْعَبْدِ ، وَهَذا استدلالٌ ظَاهرٌ .

وزاد بَعْضُهُم فَقَالَ : كُلُّ فَاعِلَيْنِ فِعْلُ أحدِهمَا أفْضَلُ مِنْ فِعْلِ الآخَرِ ، كَانَ ذَلِكَ الفَاعِلُ أشْرَفَ وَأكْملَ من الآخرِ ، وَلاَ شَكَّ أنَّ الإيمانَ أفْضَلُ مِنْ الْخَيْرِ ، ومِنْ كُلِّ مَا سِوى الإيْمانِ ، فَلَوْ كَانَ الإيمانُ بِخَلْقِ العبد لا بِخَلْقِ اللهِ تعالى لوجَبَ كَوْنُ العبْدِ زَائِداً في الخَيْرِية على اللهِ تَعَالى وَذَلِكَ كفر قبيح ، فدلت الآية - من هذين الوجهين - على أنَّ الإيْمَانَ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى .

فإن قيل : هَذِه الآيةُ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ مِنْ وَجهٍ آخر؛ لأنه لما قال : { بِيَدِكَ الخير } كان معناه : ليس بيدك إلا الخير ، وهذا يقتضي أن لا يكونَ الكفرُ والمعصيةُ بيده .

فالجوابُ : أن قوله : { بِيَدِكَ الخير } يُفيد أن بيدك الخير - لا بيد غيرك - فهذا ينافي أن يكون الخير بيد غيره ، لكن لا ينافي أن يكون بيده الخير ، وبيده ما سوى الخيرِ ، إلا أنه خَصّ الخير بالذكر؛ لأنه الأمر المنتفَع به ، فوقع التنصيص عليه لهذا المعنى .

قال القاضي : « كل خير حصل من جهة العباد فلولا أنه تعالى أقدرهم عليه وهداهم إليه ، لما تمكنوا منه ، فلهذا السبب كان مضافاً إلى الله تعالى .
قال ابن الخطيبِ : وهذا ضعيفٌ؛ لأن بعضَ الخير يصير مضافاً إلى الله تعالى ويصير أشرف الخيرات مضافاً إلى العبد ، وهذا خلافُ النص .

وقوله : { إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } كالتأكيد لما تقدم من كونه مالكاً لإيتاء الملك ونَزْعه ، والإعزار ، و الإذلال .

انتهى النقل من كلام ابن عادل الحنبلى فى تفسيره اللباب

ويتبع بمشيئة الله من كلام الإمام القشيرى


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الاثنين مايو 09, 2011 12:00 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1435
قال الإمام القشيرى فى تفسير قوله جلّ ذكره { قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ } .

« اللهم » معناها يا الله والميم في آخرها بدل عن حرف النداء وهو يا . فهذا تعليم الحق كيفية الثناء على الحق ، أي صِفْني بما أسْتَحِقُّه من جلال القَدْر فَقُلْ : يا مالكَ المُلْكِ لا شريكَ لكَ ولا مُعينَ ، ولا ظهير ولا قرين ، ولا مُقاسِمَ لكَ في الذات ، ولا مُسَاهِمَ في المُلْك ، ولا مُعَارِضَ في الإبداع .

{ تُؤْتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } .

حتى نعلم أن الملك لك ، والمَلِكُ من المخلوقين مَنْ تَذَلَّلَ له ، ومنزوعٌ المُلْكُ ممن تكبَّر عليه؛ فَتَجمُّلُ الخَلْقِ في تذللهم للحق ، وعِزُّهم في محوهم فيه ، وبقاؤهم في فنائهم به .

{ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ } .بعز ذاتك .
{ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ } .بخذلانك .

وتعز من تشاء بأن تهديه ليشهدك ويوحدك ، وتذل من تشاء بأن يجحدك ويفقدك
وتعزُّ من تشاء بيُمْنِ إقبالك ، وتذل من تشاء بوحشة إعراضك .
و تعزُّ من تشاء بأن تؤنسه بك ، وتذل من تشاء بأن توحشه عنك .
وتعز من تشاء بأن تشغله بك ، وتذل من تشاء بأن تشغله عنك .
وتعز من تشاء بسقوط أحكام نفسه ، وتذل من تشاء بغلبة غاغة نفسه .
وتعز من تشاء بطوالع أُنسه وتذل من تشاء بطوارق نفسه .
وتعز من تشاء ببسطه بك ، وتذل من تشاء بقبضه عنك .

و { تُؤتِى المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ } يشد نطاق خدمتك ،
{ وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ } بنفيه عن بساط عبادتك .
تؤتي الملك من تشاء بإفراد سِرِّه لك وتنزع الملك ممن تشاء بأن تربط قلبه بمخلوق
{ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ } بإقامته بالإرادة ، { وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ } يردُّه إلى ما عليه أهل العادة .

{ بِيَدِكَ الخَيْرُ } .
ولم يذكر الشر حفظاً لآداب الخطاب ، وتفاؤلاً بذكر الجميل ، وتطيراً من ذكر السوء .

{ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ } .
من الحجب والجذب ، والنصرة والخذلان ، والأخذ والرد ، والفرق والجمع ، والقبض والبسط .

يتبع بمشيئة الله


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
 عنوان المشاركة:
مشاركة غير مقروءةمرسل: الخميس يونيو 02, 2011 3:40 pm 
غير متصل

اشترك في: الخميس فبراير 26, 2004 3:38 pm
مشاركات: 1435
قال الإمام القشيرى فى تفسير قوله جلّ ذكره

{ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (27)

{تولج الليل في النهار} حتى يَغْلِبَ سلطانُ ضياءِ التوحيد فلا يَبْقَى من آثار النفس وظلماتها شيءٌ

{وتولج النهار في الليل} حتى كأن شموسَ القلوب كُسِفَت ، أو كأن الليل دام ، وكأن الصبح فُقِد .

{وتخرج الحي من الميت} حتى كأن الفترة لم تكن ، وعهد الوصال رجع فَتيَّاً ، وعُودُ القلوبِ غضّاً طريَّاً .

{وتخرج الميت من الحي } حتى كأن شجرة البرم أورقت شوكاً وأزهرت شوكاً ، وكأن اليائس لم يجد خيراً ، ولم يشم ريحاً ، وتقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة .

{ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }حتى لا كدر ولا جُهْدَ ولا عَرَقَ جبينٍ ، ولا تَعَبَ يمينٍ ، لَيْلَهُ روحْ وراحة ، ونهارُه طرب وبهجة ، وساعاته كرامات ، ولحظاته قُرُبات ، وأجناس أفعاله على التفصيل لا يحصرها لسان ، ولا يأتي على استقصاء كنهها عبارة ولا بيان .
وفيما لوَّحنا من ذلك تنبيه على طريق كيفية الإفصاح عنه .

ويقال لما قال { وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ } انكسر خُمَارُ كلِّ ظانٍّ أنه مَلِكٌ لأنه شاهد مُلكِهِ يعرض للزوال ... فَعَلِمَ أن التذلل إليه في استبقاء ملكه أولى من الإعجاب والإدلال .

ويقال المَلِكُ في الحقيقة .. مَنْ لا يشغله شيء بالالتفات إليه عن شهود من هو المَلِكُ على الحقيقة


أعلى
 يشاهد الملف الشخصي  
 
عرض مشاركات سابقة منذ:  مرتبة بواسطة  
إرسال موضوع جديد الرد على الموضوع  [ 6 مشاركة ] 

جميع الأوقات تستخدم GMT + ساعتين


الموجودون الآن

المستخدمون المتصفحون لهذا المنتدى: لا يوجد أعضاء مسجلين متصلين و 3 زائر/زوار


لا تستطيع كتابة مواضيع جديدة في هذا المنتدى
لا تستطيع كتابة ردود في هذا المنتدى
لا تستطيع تعديل مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع حذف مشاركاتك في هذا المنتدى
لا تستطيع إرفاق ملف في هذا المنتدى

البحث عن:
الانتقال الى:  
© 2011 www.msobieh.com

جميع المواضيع والآراء والتعليقات والردود والصور المنشورة في المنتديات تعبر عن رأي أصحابها فقط