بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الآية
سَيِّدِي الْعَارِفُ بِاللهِ تَعَالَى مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيّ
(رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ)
من كتاب "حتَّى لا تضيع الهويةُ الصوفيةُ بين الإخوان المسلمين والشيعة وبني أميَّة الجُدُد" لمؤلفه السيد الشريف الدكتور/ محمود السيد صبيح (حفظه الله):
• شيخ الإسلام محيي الدين النووي الفقيه الحافظ الزاهد أحد الأعلام، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (631 - 677هـ) صاحب كتاب الأربعين النووية، ورياض الصالحين، وشرح مسلم، وشرح المهذب، وغيرها.
• قال القاضي عز الدين بن الصائغ: "لو أدرك القشيري النووي وشيخه كمال الدين إسحاق لما قدم عليهما في ذكره لمشايخها - يعني الرسالة - أحدًا، لما جمع فيهما من العلم والعمل، والزهد والورع، والنطق بالحكمة".
• قال الإمام اليافعي شيخ الحافظ العراقي: "ومن المشهور أنه كان يقتدي ببعض المشائخ من الصوفية، وهو الشيخ الشهير العارف بالله الخبير الولي الكبير ياسين المزين، ويتأدب معه، ويجالسه ويقبل إشارته. وأخبرني بعض العلماء الشاميين أنه أشار عليه قبل موته بقليل يرد ما عنده من الكتب المستعارة، وزيارة أهله في بلده، ففعل ذلك، ثم توفي عندهم في الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة، وفي لحيته شعرات بيض.
• قلت -أي اليافعي-: واعتقاد هذا السيد الكبير المتضلع من علوم المشائخ الصوفية، وصحبتهم ومحبتهم على العموم، من أقوى الحجج الظاهرة على المنكرين عليهم من الخصوم، ومن كل طاعن فيهم محروم، وقد صرح في كتابه الأذكار المشتمل على الفضائل الجمة بكون الصوفية من صفوة هذه الأمة. انتهى.
• قلت -أي السيد الدكتور محمود صبيح-: وله كتاب بستان العارفين يشهد بتعظيمه لأهل التصوف، وهو من القائلين بالتوسل بسيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والكلام معه عند زيارته في المدينة المنورة، ويقول ببقاء الخضر وينسب ذلك إلى جمهور العلماء، وله كلام كثير في التصوف. (انظر ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى (8 / 214 - 217)، طبقات الشافعية (1 / 98 - 99)، ومرآة الجنان (2 / 211)، والشيخ ياسين المزين هو السيد ياسين بن يوسف الزركشي أحد كبار المتصوفة، وتوسلاته موجودة في عدة كتب منها كتابه "المجموع" وغيره).
• قال الإمام النووي (رحمه الله): "أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، اتباع السنة في الأقوال والأفعال، الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار، الرضا عن الله تعالى في القليل والكثير، الرجوع إلى الله في السراء والضراء. (انظر كتاب مقاصد الإمام النووي، والتوحيد والعبادات، وأصول التصوف ص 20).
ومن ترجمته (رحمه الله) في كتابه الأذكار:
• مولده ونشأته:
ولد الإمام النووي (رحمه الله تعالى) في نوى، وهي قرية من قرى حوران في سورية، تبعد عن دمشق 83 كم جنوبًا، في المحرم سنة 631هـ من أبوين صالحين، ونشأ في أسرة مسلمة زاكية، وكأن الله (عز وجل) أعده لأمور عظام وهيأه لخدمة هذا الإسلام، فكان (رحمه الله) تظهر عليه معالم الذكاء والجدية في الأمور بعيدًا عن اللهو والعبث وإضاعة الزمان بما لا طائل من ورائه.
• طلبه العلم وجده فيه:
قال الإمام النووي (رحمه الله): "لما كان عمري تسع عشرة سنة، قدم بي والدي في سنة تسع وأربعين إلى دمشق، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت نحو سنتين لا أضع جنبي بالأرض، وأتقوَّت بجراية المدرسة (أي ما يوزع على الطلبة من الخبز)، وحفظت "التنبيه" وهو أحد الكتب المتداولة في الفقه الشافعي، ألفه أبو القاسم الشيرازي، في نحو أربعة أشهر ونصف، ثم حفظت ربع العبادات من "المهذب"، وهو أيضًا للشيرازي، في باقي السنة".
قال الذهبي: "ذكر شيخنا أبو الحسن ابن العطار أن الشيخ محيي الدين ذكر له أنه كان يقرأ في كل يوم اثني عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا: درسين في "الوسيط" (كتاب فقه للإمام الغزالي)، ودرسًا في "المهذب"، ودرسًا في "الجمع بين الصحيحين"، ودرسًا في "صحيح مسلم"، ودرسًا في "اللمع" لابن جني، ودرسًا في "إصلاح المنطق" لابن السكيت، ودرسًا في "التصريف"، ودرسًا في أصول الفقه، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين.
قال: "وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مُشكل، وتوضيح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله تعالى في وقتي".
ثم قال (رحمه الله): "وخطر لي أن أشتغل في الطب، واشتريت كتاب "القانون" لابن سينا، فأظلم قلبي، وبقيت أيامًا لا أقدر على الاشتغال، فأفقت على نفسي، وبعت "القانون" فاستنار قلبي.
وفي سنة 665هـ تولى الشيخ (رحمه الله) مشيخة دار الحديث والتدريس فيها حتى توفاه الله تعالى.
• شيوخه:
نذكر منهم:
1. أبو إبراهيم، إسحاق بن أحمد بن عثمان المغربي المقدسي، فكان معظم انتفاعه في الفقه عليه ت 605هـ.
2. أبو محمد عبد الرحمن بن نوح بن محمد المقدسي مفتي دمشق في وقته ت 654هـ.
3. أبو حفص، عمر بن أسعد بن أبي غالب الرَّبعي الإربلي، معيد البادرائية.
4. أبو الحسن سلَّار بن الحسن الإربلي ثم الحلبي المتقدم في مذهب الشافعي ت 670هـ.
5. أبو البقاء خالد بن يوسف بن سعد النابلسي الحافظ المتقن ت 663هـ.
6. أبو العباس أحمد بن عبد الدائم بن نِعْمة المقدسي مسند الوقت ت 668هـ.
7. القاضي أبو الفتح عمر بن بُندار بن علي بن محمد التفليسي، وقد أخذ عنه علم الأصول وانتفع به.
واستفاد من غير هؤلاء العلماء في بقية ضروب العلم وفنونه.
• تلامذته:
1. القاضي صدر الدين: سليمان بن هلال الجعفري خطيب داريا.
2. أبو العباس: أحمد بن فرح الإشبيلي، كان له مع الشيخ ميعاد يوم الثلاثاء والسبت، يشرح في أحدهما "صحيح البخاري" وفي الآخر "صحيح مسلم".
3. البدر: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة.
4. علاء الدين: أبو الحسن، علي بن إبراهيم بن داود الدمشقي، المعروف بابن العطار، الذي كان لشدة ملازمته للشيخ وتحققه به يقال له: مختصر النووي.
• من نتاجه العلمي:
لقد كتب الإمام النووي وصنف كتبًا كثيرة في علوم شتى بلغت نحو الخمسين، منها المطبوع، ومنها الذي لا يزال مخطوطًا، نذكر من أبرزها:
1. الأذكار.
2. الأربعين النووية.
3. إرشاد طلاب الحقائق في علوم الحديث.
4. الإرشاد إلى بيان أسماء المبهمات من رجال الحديث.
5. الإيضاح في المناسك.
6. بستان العارفين.
7. التبيان في آداب حملة القرآن.
8. الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام.
9. تصحيح التنبيه.
10. التقريب والتيسير في مصطلح الحديث.
11. تهذيب الأسماء واللغات.
12. دقائق المنهاج.
13. روضة الطالبين في فروع الفقه.
14. رياض الصالحين.
15. شرح صحيح البخاري، وسماه "التخليص" ووصل به إلى كتاب العلم.
16. شرح المهذب "المجموع"، لم يتمه.
17. المقاصد في العقيدة والفقه، رسالة.
18. منهاج الطالبين وعمدة المفتين في الفقه.
19. المنهاج في ضرح صحيح مسلم بن الحجاج.
وهذه الكتب مطبوعة والحمد لله ومتداولة ومعروفة لدى طلاب العلم يقرؤونها وينتفعون بها، وهناك ما لا يزال في طي الخفاء من كتبه، نرجو أن يظهر ليتم النفع به والإفادة منه.
• من أقوال العلماء فيه وثنائهم عليه:
أجمع العلماء على حب الإمام النووي، وثنائهم عليه، وكثرت فيه أقوالهم ومدائحهم. وإليك بعضًا منها:
1) قال الحافظ ابن حجر: "لا أعلم نظيره في قبول مقالة عند سائر أرباب الطوائف".
2) وقال تلميذه ابن العطار: "شيخي وقدوتي، أوحد دهره، وفريد عصره".
3) وقال الذهبي: "النووي الإمام الحافظ الأوحد القدوة، شيخ الإسلام عَلَم الأولياء.
4) وقال الشيخ قطب اليونيني: كان أوحد زمانه في العلم والورع.
5) وقال التاج السبكي: أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين.
6) وقال الحافظ ابن كثير: شيخ المذهب، وكبير الفقهاء في زمانه.
• عبادته:
كان الإمام النووي (رحمه الله) ذا دأب على العبادة، ملازمًا لها، وكان له أذكار وأوراد يعكف عليها في أوقاتها ولا يتركها، فاستنار لذلك قلبه، وأشرقت طوايا نفسه، وكانت له نزعة صوفية يأخذ بها في تربية نفسه وترقيتها، وكان شيخه من الصوفية الشيخ المراكشي، وكان النووي يحبه ويزوره ويستشيره في أموره، ويرجو بركته.
وكان النووي (رحمه الله) يرى أن دائرة التعبد أوسع من أن تكون محصورة في أداء الشعائر: من صلاة وصيام وذكر وقراءة قرآن، بل كان يرى أن كل عمل مشروع يقرب إلى الله تعالى هو عبادة، ومن أجلّ العبادات طلب العلم وتعليمه والعمل به.
• زهده في الدنيا:
الإمام النووي كان زاهدًا حقيقة شكلًا ومضمونًا، لا يتظاهر بالزهد في الدنيا ليأكل أموال الناس بالباطل، ولا يعرض عنها وقلبه معلق بها كما هو شعار كثيرين من المتزهدين، بل كان زهده فيها وإعراضه عنها صادقًا من كل قلبه وجوارحه. يتجلى هذا في مطعمه ومشربه وملبسه.
فقد كان (رحمه الله) قليل الطعام، يأكل أكلة واحدة بعد العشاء، ويشرب في السحر، ويقتصر على ما كان يرسله إليه أبواه من حوران من الخبز الذي كان يخبز له، وينشفه فيبقى عنده جمعة أو عشرة أيام، يبلله ويأكل منه، وربما أكل مع الخبز التين والدبس، وكان يخشى أن يكثر الطعام فيغلبه النوم فيضيع وقته.
وأما لباسه فكان كما قال الذهبي: مثل آحاد الفقهاء من الحوارنة لا يؤبه به، وهو ثوب خام، وشيء كالجبة الضيقة.
ولم يتزوج الإمام النووي، ولم ينظر إلى امرأة، واكتفى الإمام أن يحصر نفسه وسط أسوار من الكتب، وخلوات للذكر والعبادة، ولا نرغب أن نطيل في هذا الموضوع فخصائص الإمام فيه أكثر من أن تحصر.
• ورعه:
كان الإمام النووي (رحمه الله) من أشد ورعًا، وأحرصهم في البحث عن مواقع الحلال في ملبسه ولقمة عيشه، فقد لا يأكل من فواكه دمشق، ولما سئل عن سبب ذلك قال: "إنها كثيرة الأوقاف والأملاك لمن تحت الحجر شرعًا، ولا يجوز التصرف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة، والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها اختلاف بين العلماء، ومن جوزها قال: بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي".
واختار النزول في المدرسة الرواحية على غيرها من المدارس، لأنها كانت من بناء بعض التجار.
وكان لدار الحديث راتب كبير، فما أخذ منه فلسًا، بل كان يجمعها عند ناظر المدرسة، وكلما صار له حق سنة، اشترى به ملكًا وأوقفه على دار الحديث، أو اشترى كتبًا فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئًا، وكان لا يقبل من أحد هدية ولا عطية، إلا إذا كانت به حاجة إلى شيء، وجاءه ممن تحقق دينه.
وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أمه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يرسل إليه ما يأكل، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئًا، وأخباره (رحمه الله) في هذا كثيرة.
• مناصحته الحكام:
لقد كان الشيخ (رحمه الله تعالى) أمارًا بالمعروف، نهَّاءً عن المنكر، صداعًا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد عرف الناس فيه ذلك فكانوا يهرعون إليه في الملمات، ويقصدونه لرفع الظلم عنهم، وكان (رضي الله عنه) لا يبخل على الناس في استخدام ما لديه من الجرأة في الحق لإنصاف المظلوم، ورفع الضيم عن المهضوم، وحسبنا دليلًا على ذلك موقفه من الملك الظاهر بيبرس لما أمر بالحوطة على بساتين دمشق، لما ورد الملك الظاهر بيبرس دمشق من مصر بعد قتال التتار وإجلائهم عن البلاد، زعم له وكيل بيت المال أن كثيرًا من بساتين الشام من أملاك الدولة، فأمر الملك بالحوطة عليها أي بحجزها، وتكليف واضعي اليد على شيء منها إثبات ملكيته، وإبراز وثائقه، فلجأ الناس إلى الإمام في دار الحديث، فكتب (رحمه الله) إلى الملك كتابًا جاء فيه: "وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواع من الضرر، لا يمكن التعبير عنها، وطلب منهم إثبات ما لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحل عند أحد من علماء المسلمين، بل من في يده شيء فهو ملكه، لا يحل الاعتراض عليه، ولا يكلف إثباته"، فغضب السلطان من هذه الجرأة عليه، فأمر بقطع رواتبه وعزله من نواصبه، فقالوا له: إنه ليس للشيخ راتب، وليس له منصب، ولما رأى الشيخ أن الكتاب لم يفد، مشى بنفسه إليه، وقابله، وكلمه كلامًا شديدًا، وأراد السلطان أن يبطش به، فصرف الله قلبه عن ذلك، وحمى الشيخ منه، وأبطل السلطان أمر الحوطة، وخلص الله الناس من شرها.
• وفاته (رحمه الله):
وفي سنة 676هـ، رجع الإمام النووي إلى نوى، بعد أن رد الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودعهم، وبعد أن زار والده، زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى، فمرض بها، وتوفي في 24 رجب، سنة 676هـ. ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفًا شديدًا، وتوجه قاضي القضاة عز الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره، ورثاه جماعة.
وهكذا انطوت صفحة من صفحات علم من أعلام المسلمين بعد جهاد في طلب العلم والحق، ترك للمسلمين كنوزًا من العلوم والمعارف لا زال العالم الإسلامي يغترف من معينها، وينهل من سلسبيلها، فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته آمين.
نَـــفْــحَـــةٌ حُــسَـــيْــنـِــيـَّــةٌ
أَمَتُّ الطَّمَعَ حِرْصًا فِي ازْدِيَادِ
وَأَسْكَنْتُ الرِّضَا طَوْعًا فُؤَادِي
وُهِبْتُ حِلْمًا عَلَا وَرُشْدًا
وَهَدْيًا غَدَا ضِيَاءً بَادِ
***
تَرَكْتُ رِفَاقَ اللَّعِبِ لِأَمْضِي
بِعَقْلٍ وَفِكْرٍ وَنَهْجِ سَدَادِ
وَأَمَلٍ وَسَعْيٍ وَإِتْمَامِ حِفْظٍ
لِآيِ الْقُرْآنِ بِتَرْتِيلِ مُرَادِ
***
جَعَلْتُ الدُّنْيَا وَرَائِي وَسِرْتُ
أَنْشُدُ رِضَا رَبٍّ يُنَادِي
وَلَمْ أَرَ فِيهَا مَتَاعًا وَحَظًّا
سِوَى تَحْصِيلٍ عِلْمٍ وَارْتِيَادِ
وَصُحْبَةِ عُلَمَاءَ أَفْذَاذٍ وَهِمَمٍ
بَنَوْا لِلشَّرْعِ صَرْحًا فِي عِمَادِ
وَنَفْسِي أَخْلَيْتُ مِنْ سُوءٍ وَظَنِّ
وَحَسَدٍ وَكُرْهٍ وَحِقْدٍ مُعَادِ
وَبَاتَ الزُّهْدُ وِقَائِي لِأَنْجُو
مِنَ الْإِضْلَالِ زَيْغًا وَالْفَسَادِ
***
وَلَيْسَ الْحُزْنُ عَلَى مَالٍ وَجَاهٍ
وَحَظٍّ قَدْ تَوَلَّى فِي افْتِقَادِ
وَلَكِنْ فِي ضَيَاعِ الْعُمْرِ هَدَرًا
وَطَلَبًا لِلْمَتَاعِ وَالازْدِيَادِ
***
وَبِالْمَعْرُوفِ أَمْرِي وَلِلنَّكْرَاءِ نَهْيِي
وَنُصْحِي بَالِغٌ آتٍ وَغَادِ
وَلَا أَرْضَى مِنَ الْخَلْقِ عَطَاءً
وَقَدْ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ اعْتِمَادِي
***
شَهِدْتُ النَّوْمَ بِالتَّحَقُّقِ غَفْلًا
وَقَطْعًا لِلْوِصَالِ وَلِلْوِدَادِ
وَإِهْمَالًا لِذِكْرِ اللهِ لَيْلًا
وَسَهَرٍ فِي قُنُوتٍ وَسُهَادِ
***
سَكَبْتُ الدَّمْعَ مِدْرَارًا وَنَدَمًا
عَلَى مَا فَرَّطْتُ نَسْيًا فِي اعْتِيَادِ
وَأَسْلَمْتُ نَفْسِي لِخُمُولٍ وَغفْلٍ
وَبُعْدٍ عَنْ تَذَكُّرٍ فِي اعْتِدَادِ
وَجَدْتُ الْحَقَّ غُفْرَانًا وَعَفْوًا
وَلُطْفًا فِي النَّوَائِبِ وَالشِّدَادِ
يُرَحِّبُ بِمُسِيءٍ جَاءَ يَسْعَى
لِبَابِ التَّوْبِ مِنْ بَعْدِ افْتِقَادِ
***
شَرِبْتُ مِنْ مَعِينِ الشَّرْعِ فِقْهًا
وَصِرْتُ فِي الْحَدِيثِ لِوَا الْعِمَادِ
بِأَشْيَاخٍ لَهُمْ قَدَمُ سَبْقٍ
وَوَهْبٌ خَصَّهُمْ بِعَظِيمِ زَادِ
وَأَبْنَاءٍ لَهُمْ شَوْقٌ وَوَجْدٌ
وَشَغَفٌ لِلْمَعَارِفِ فِي اجْتِهَادِ
***
مَشَارِبُ طُهْرٍ تَعَالَتْ وَصَفْوٍ
تُقِيمُ الْمَرْءَ مِنْ وَهْنِ الرُّقَادِ
وَمَا الْفَوْزُ فِي عَقْلٍ وَفِكْرٍ
وَلَكِنْ فِي السَّلَامَةِ فِي الْفُؤَادِ
وَمَا يَعْلُو عَلَى الْحُبِّ نَيْلٌ
وَنَهْجٌ بِهِ حَظو الْمِيعَادِ
***
تَرُومُ الرُّوحُ لِلْمَحْبُوبِ شَوْقًا
وَيَحْلُو الْوَصْلُ وَدَوَامُ الْوِدَادِ
وَيَبْقَى مُجَافِ الْقُرْبِ يَشْقَى
وَيَسْعَدُ مُخْلِصٌ فِي الْحُبِّ شَادِ
***
تَصَانِيفُ كَضَوْءِ الشَّمْسِ تُبْدِي
جَمَالَ الْكَوْنِ فِي سَهْلٍ وَوَادِ
لَهَا نَفْعٌ وَبَرَكَاتٌ تَعُمُّ
عَلَى الْعُبَّادِ نُورًا فِي رَشَادِ
***
صَلَاةُ اللهِ وَالتَّسْلِيمُ دَوْمًا
عَلَى الْمَبْعُوثِ لِلْخَلْقِ هَادِ
وَآلٍ وَصَحْبٍ صَارُوا حَقًّا
نُجُومَ الشَّرْعِ لِمُقِيمٍ وَغَادِ
مَا رَحَلَ لَيْلٌ وَأَقْبَلَ فَجْرٌ
وَسَبَّحَ طَيْرٌ عَلَى الْأَعْوَادِ
***
(وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين)
كتبها الفقير إلى الله تعالى
محمد محمد بيومي
صفر 1433 هـ
يناير 2012 م