نثر العطور الفواحة بمزيد ذكر فضائل الصحابة
الذي عليه جمهور المحدثين أن كل مسلم اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة فهو من الصحابة .
وقد ورد في فضلهم رضي الله عنهم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما لا يحصى .
فأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أنه صلى الله عليه وسلم قال : " خيركم ـ وفي رواية ـ خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ( أي التابعون ) ثم الذين يلونهم ( أي تابعو التابعين ) " .
قال الإمام النووي : ورواية خير الناس على عمومها والمراد منه جملة القرون السابقة واللاحقة ولا يلزم منه تفضيل أهل قرنه على الأنبياء عليهم السلام إذ المراد جملة القرون بالنسبة إلى كل قرن بجملته .
قال : والمراد بالقرن : الصحابة ، ثم الذين يلونهم : التابعون ، ثم الذين يلونهم : تابعو التابعين .
وقال العلامة الفقيه القاضي محمد بن عمر بحرق الحضرمي : وأول قرن الصحبة من مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى موت آخرهم موتاً وهو أبو الطفيل على رأس عشر بعد المئة من الهجرة لمئة من الوفاة ، وهو أيضاً آخر قرن التبعية لتعذرها حينئذ وأوله من الوفاة لتعذر الصحبة حينئذ .
وقال أهل العلم : وإنما كانوا خير القرون بشهادة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لهم بكل فضيلة من الإخلاص والصدق والتقوى والشدة في الدين والرحمة على المؤمنين ونصرة الله ورسوله والجهاد في سبيله وبذل النفوس والأموال وبيعها من الله تعالى وإيثارهم على أنفسهم وكونهم خير أمة أخرجت للناس وقد رضي الله عنهم ورضوا عنه والحائزين على الفوز والفلاح والبشارة بأعلى الجنان وجوار الرحمن ، إلى غير ذلك ..
ومدح الله لا يتبدل ووعده لا يخلف ولا يتحول ، إذ هو سبحانه المطلع على عواقب الأمور والعالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فلا يمدح جل وعلا إلا من سبقت له منه الحسنى وكان ممدوحاً في الآخرة والأولى .
قال الله تعالى : " وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
وقال سبحانه : " لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " .
وقال تعالى : " إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ .. ".
وقال تعالى : " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ۖ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ۚ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ۚ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ... الآية ".
وقال تعالى في حق المهاجرين : " لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " .
وقال تعالى في حق الأنصار : " وَالَّذِينَ تَبَوَّءُو الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " .
وقال الحق جل في علاه في حق التابعين لهم بإحسان المستغفرين لهم السالمين من غل القلوب جعلنا الله منهم : " وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " .
قال الإمام النووي : ومعنى الحديث لو أنفق أحدكم في سبيل الله مثل أحد ذهباً ما بلغ ثوابه ثواب نفقة أحدهم مداً من طعام ولا نصيفه ، قال : وسبب ذلك كون نفقتهم رضي الله عنهم في وقت الضرورة وضيق الحال وفي نصرته صلى الله عليه وسلم وحماية دينه وإعزازه ، وكذلك كان جهادهم وسائر طاعاتهم ، وذلك معدوم فيمن بعدهم مع أن فضيلة الصحبة ولو بلحظة لا توازيها فضيلة ولا تنال درجتها بشيء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
والمخاطب بقوله : " لا تسبوا أصحابي .. " الأمة .
وخلاصة قول العلماء : وإذا ثبت ثناء الله ورسوله عليهم رضي الله عنهم بكل فضيلة والشهادة لهم بالمناقب الجليلة ، فأي دين يبقى لمن نبذ كتاب الله وراء ظهره فنسبهم إلى باطل؟! أيقول هذا الجاهل بأن الله ( تعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً ) لما وصفهم وأثنى عليهم كان جاهلاً بما يؤول إليه حالهم فتبدل قوله الحق باطلاً والصدق كذباً ، أم كان عالماً بذلك ولكنه خان رسوله بالثناء على من ليس أهلاً للثناء ورضي لرسوله المجتبى بصحبة الفاسقين ومصافاة المنافقين .
كلا والله لقد كانوا أحق بتلك الفضائل وأهلها " وكان الله بكل شيء عليماً " .
وكانوا كما وصفهم الله : " .. رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " .
اللهم إنا نشهد أنهم كما وصفتهم من أنهم خير أمة ونثني عليهم بما أثنيت عليهم من الفضائل الجمة ونعتقد أنهم قد قلدوا رقاب الخاصة والعامة المنة لأنهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى قرروا هذا الدين ثم حملوه إلى الناس كما نقلوه باذلين في ذلك غاية الجهد والنصح ، ونعتقد وجوب تعظيمهم واحترامهم ومحبتهم والكف عما شجر بينهم وحسن الظن بهم والإعراض عما يورده الإخباريون عنهم مما لا يسلم من مثله بشر إلا من عصمه الله وهم غير معصومين ، وحمل ما صح عنهم من الهفوات التي هي قطرة كدرة في بحر صاف من محاسنهم على أحسن المحامل وتأويله بما يليق بجلالة قدرهم ولا يحرم ذلك إلا من حرم التوفيق ، اللهم فانفعنا بحبهم واعصمنا عن سبهم وأحينا على سنتهم وتوفنا على ملتهم واحشرنا في زمرتهم يا أرحم الراحمين .
وما أحسن قول الإمام البوصيري فيهم :
ثُمَّ الصَّلاة ُ عَلَى المُخْتارِ ما طَلَعَتْ
شمسُ النهارِ وما قد شعشعَ القمرُ
ثمَّ الرِّضَا عَنْ أبي بكْرٍ خَلِيفَتِهِ
مَنْ قامَ مِنْ بعْدِهِ لِلدِّينِ يَنْتَصِرُ
وعن أبي حفصٍ الفاروقِ صاحبهِ
مَنْ قَوْلُهُ الفَصْلُ في أحْكامِهِ عُمَرُ
وجُدْلعثمانَ ذي النورين من كملتْ
له المحاسنُ في الدارين والظفرُ
كذا عليٍّ مع ابنيهِ وأمهما
أهْلِ العَبَاءِ كما قدْ جَاءَنا الخَبَرُ
سَعْدٌ سعِيدُ بْنُ عَوفٍ طَلْحَة ٌ وأبُو
عُبَيْدة َ وزُبيْرٌ سادَة ٌ غُرَرُ
والآلِ والصحبِ والأتباعِ قاطبة ً
ما جَنَّ لَيْلُ الدَّياجي أوْ بَدَا السَّحَرُ
انتهى نقل الكتاب بحروفه والحمد لله رب العالمين راجياً المولى أن يحفظ الجميع من فتن الشيعة ..