بعد التعرّف على النخبة العالمية والتي بدا واضحاً أنها تتوارث مهنة السيطرة على المجريات العالمية من الأب والجدّ، وعلى مدى هذا التاريخ الطويل، أوّل ما تكتشفونه هو أنها كانت ولا تزال تعمل على تسويق مسرحيات وخدع وألاعيب مختلفة ومتنوّعة على المستوى العالمي، كانت هذه المؤامرات ولازالت تنطلي على شعوب العالم دون أن يشعر بها أحد، أو يفطن لها أو يحدد تفاصيلها المعقّدة والمتشابكة جداً.
هم فقط يعلمون بتفاصيل هذه اللعبة الدولية ويمسكون بكافة الخيوط. إذاً، فلا بدّ من وجود لعبة معيّنة، تتجدّد وجوهها ومظاهرها بين فترة وأخرى، ودون وجود لعبة، ليس هناك سيطرة.
ولكي ينجح المسيطرون في السيطرة علينا، لا بدّ من أن يشركونا في هذه اللعبة، حيث نحن اللاعبون الأساسيون فيها، وإذا امتنعنا عن المساهمة في هذه اللعبة، فسوف تتعطّل مجرياتها وتتوقّف مباشرةً.
لهذا السبب نراهم يمعنون في تضليلنا وخداعنا وإلهائنا بأمور جانبية (مهما كنت مهمة بالنسبة لنا، فهي ثانوية بالمقارنة مع ما يحصل بالضبط دون علم منا) كل هذه الإجراءات التي يتخذونها تهدف لإبعادنا عن المسألة الأهم، وتتمثّل بتكريس الجهل عن وجود أي لعبة من أي نوع، وأن كل ما نراه يجري من حولنا هو عبارة عن أحداث متفرّقة وعفوية ليس لها أي صلة ببعضها البعض وليس وراءها أي عقل مدبّر ينظّم حصولها في المكان المناسب والوقت المناسب.
في الفقرات التالية سوف نتعرّف على إحدى مسرحياتها الخبيثة التي انطلت على شعوب العالم دون أن يشعر أحد بوجود مؤامرة..
حتى ألمع العقول الاستراتيجية تعجز عن استيعاب الصورة بالكامل، وبالتالي تستبعد واقعيتها.
يا لنا من مساكين..
سوف تتعرّفون على حملة البروبوغاندا المكثّفة التي أحدثت تحوّلاً انقلابياً في المنطق السائد وطريقة التفكير عبر قرنين كاملين من الزمن، حتى نجحوا في قولبة فكر شعوب الأرض ليتخذ توجهاً واحداً.. قالباً واحداً.. معتقداً واحداً يجمع بينهم، وهذا كان تحضيراً لقيام النظام العالمي الجديد الذي تم التخطيط لكافة فصول ومراحل تحقيقه منذ العام 1776م.
إنه دين جديد.. آمنت به كافة شعوب الأرض..
"العلمانية الاستهلاكية" كما يسميها المفكرين المستقلّين..
إنه "المذهب العلمي المادي" المنهج الفكري المجرّد من الروح.. "التطوّر من أصل قرد".. "الكون الميكانيكي الذي يخلو من الإبداع الرباني العاقل"..
هذه النهضة الفكرية المزوّرة تُعتبر أكبر لعنة ضربت وجه الأرض!
لقد نادى بها كل الأحرار ذوات العقول المنفتحة، وناضلوا من أجل إرسائها إيماناً منهم بأنها الطريق الوحيد للخلاص من التخلّف والرجعية والطائفية والانغلاق..و، و، و...
لكن يا لهم من مساكين.
فماذا كانت النتيجة؟
لقد وقعوا في الفخّ!
وأوقعونا معهم..
أصبحنا اليوم نخضع لأبشع أنواع الاستعباد والذلّ والتبعية التي يمكن أن يشهدها الإنسان عبر التاريخ!
شدّوا الأحزمة يا أيها الإخوة والأخوات...
لقد دخلنا تواً إلى نموذج جديد من عصر الاستعباد!
بعد تجسّد "العلمانية المادية" في بدايات القرن الماضي، وراحت تتجلّى وترسخ رويداً رويداً بين المجتمعات، بفضل القوى الاستعمارية التي زرعت طبقة من المتعلمين والأكاديميين المحترمين في كل مكان في الأرض قبل أن ينجلوا ويعودوا إلى حيث أتوا.
(ولازلنا نشكرهم على هذا العمل الإنساني النبيل المتمثّل بالـ"تعليم المجاني/الإجباري" الذي كرّسوه)، دخلت الشعوب مرحلة سياسية أخرى تختلف تماماً عن ما كان سائداً في الماضي.
لقد حصل تحوّل اجتماعي كبير..
انقلاب ثوري بكل المقاييس.
ظهرت طبقة من القيادات الوطنية في جميع دول العالم الثالث.
فانتشر التعليم المجاني..
والطبابة والرعاية الصحية.. يا سلام..
لقد أوشكنا أن نصدّق بأن الجنّة يمكن خلقها فعلاً على الأرض!
يا لها من بهجة وشعور بالانفراج...
ولكن... بعد عدة عقود من الزمن..
بدأت الأمور تتوضّح رويداً رويداً..
لقد أصبحنا فجأة بين يوم وضحاها مجتمعات استهلاكية!
تنابل ومغفلين!
عبيد للمال!
قابلين لأن نُباع ونُشترى بسهولة!
بعد أن اعتدنا على عيش تلك الطريقة الجديدة التي علمونا على عيشها في المدارس المجانية، حتى أصبحنا عاجزين عن العيش دونها، أطبقت علينا المؤسسات المالية العملاقة والشركات العابرة للقارات سيطرتها المتوحّشة فجأة ودون سابق إنذار!..
أين الجنّة الموعودة؟!
أين العدالة الاجتماعية؟!
أين التعليم المجاني والطبابة المجانية والبنى التحتية الرخيصة التي عوّدونا عليها؟!
لماذا هذا التخصيص الذي يجري للمؤسسات الوطنية على نطاق واسع؟!
لماذا يرمونا في أحضان الرأسمالية المتوحّشة بهذه السهولة؟!
أسئلة كثيرة ومحيّرة ومتعبة.
لكن هل كل ما حصل هو مجرّد تسلسل عفوي للأحداث؟
أم أن هناك مخطط تم رسمه وتنفيذه عبر قرنين من الزمن لتحويل كافة مجتمعات الأرض إلى قطع صغيرة من آلة الاستهلاك العالمية التي تقودها المصارف والشركات العملاقة العابرة للقارات؟!
هذه المؤامرة الطويلة وبعيدة المدى تتمثّل ببساطة بعدة مراحل متسلسلة:
[1] علمونا على طريقة عيش معيّنة من خلال التعليم المجاني والخدمات المجانية التي تتوافق مع ذلك التعليم (خاصة في مجال الصحة والطبابة، والزراعة... وغيرها).
[2] تخلّينا عن طريقة العيش القديمة (البسيطة) بصفتها طريقة متخلفة وبدائية ورحنا ننشد الطريقة الجديدة بكل سعادة وهناء، دون أي تفكير بالعواقب.
[3] بعد أن اعتدنا على طريقة الحياة الرغيدة والمتحضّرة بحيث لم نعد نستطيع العيش دونها، سحبوا البساط من تحت أرجلنا!
بدأت الخدمات المجانية التي تُقدّم لنا تختفي وتزول تدريجياً (حصول خصخصة للمؤسسات العامة على نطاق واسع وفي كافة أنحاء العالم).
وراحوا يطلبون المال مقابل هذه الخدمات التي أصبحت أساسية وضرورية.
[4] هذه المرحلة الأخيرة لم تكتمل بعد في بعض البلدان، لكن عند اكتمالها سوف تتحوّل الحياة على هذا الكوكب إلى جحيم لا يمكن احتماله، وسنتحوّل إلى عبيد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
هذه المرحلة تتمثّل بوقوع ملكية كافة المؤسسات الخدماتية العامة تحت سيطرة الشركات الخاصة (خاصة المدارس والمستشفيات) ولم يعد هناك أي خدمات مجانية في أي بقعة على وجه الأرض، حينها يكونوا قد أحكموا قبضتهم على الإنسان بقوة!
وجعلوه مجرّد كائن مغفّل مفرغ العقل مهووساً بالمال الذي هو الوسيلة الوحيدة لتأمين مستلزماته الأساسية.
"... سوف تتحوّل المجتمعات إلى لصوص وبائعات هوى.."!
هذا ما ينوي المتآمرون العالميون تحقيقه!..
هل نحن محضّرين لهذا المصير البائس الذي ينتظرنا؟
هل لا زلتم تناصرون فكرة "العولمة" التي يسوّق لها بعض الحمقى والمغفّلين؟!